أولى

أهمية استراتيجية المقاومة في تكريس الردع ومواصلة حرب استنزاف الكيان نصرة لغزة

 حسن حردان

إنّ أهمّ ما خلصت اليه عملية الردّ التي نفذتها المقاومة في لبنان باستهداف مقر الاستخبارات العسكرية الصهيونية «أمان» في ضاحية تل أبيب، في كونها حققت نتيجتين اثنتين هامتين:
النتيجة الأولى، منع العدو من تحقيق هدفه بالانقلاب على معادلة الردع، والتأكيد انّ المقاومة قادرة على الردّ بالمثل على ايّ خرق صهيوني لهذه المعادلة، وانها لا تتساهل في هذا الأمر إطلاقاً، وهي في الوقت ذاته مصمّمة على معادلة تحييد المدنيين التي ثبّتتها في صراعها الطويل مع قوات الاحتلال، منذ تفاهم نيسان عام 1996، حيث تحرص المقاومة على تجنيب بيئتها الشعبية الانتقام الصهيوني نتيجة عجز العدو وفشله في مواجهة المقاومة، المتنامية قوّتها، كماً ونوعاً، مما مكّنها ان تنتزع من قادة العدو أحد أخطر الأسلحة التي يستخدمونها، وهو سلاح ارتكاب المجازر الوحشية النازية ضدّ المدنيين، في محاولة للتأثير على الدعم الشعبي للمقاومة وإضعافها… ولهذا لا يجب التقليل من أهمية وقيمة ما قامت به المقاومة من ردّ ذكي ودقيق لتكريس هذه المعادلة الردعية التي تعتبر من الإنجازات الهامة التي حققتها المقاومة في صراعها الطويل مع كيان الاحتلال الصهيوني.. والتي عززها انتصارها الاستراتيجي في حرب تموز عام 2006.
النتيجة الثانية، تثبيت الفصل بين جبهة الإسناد التي فتحتها المقاومة في لبنان دعماً للمقاومة في غزة ونصرة للشعب الفلسطيني الصامد في مواجهة حرب الإبادة النازية، وبين الردّ على العدوان الصهيوني على الضاحية، وايّ محاولة صهيونية لخرق معادلة الردع، وهو ما يعني تصميم المقاومة على مواصلة خوض حرب الاستنزاف ضدّ كيان العدو مسرحها المناطق الشمالية من فلسطين المحتلة، وجنوب لبنان، بما يجنب لبنان واللبنانيين الحرب، ويزيد ويفاقم من نزف الكيان الإسرائيلي، عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي يرفع من كلفة حربه المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر في غزة.. وهذه النتيجة التي حققتها المقاومة تشكل أيضاً إنجازاً مهماً، لأنها من جهة تفرض إيقاعها الذي أرادته من شنّ حرب الاستنزاف ضدّ كيان العدو، ومن جهة ثانية تجنّب لبنان واللبنانيين مخاطر توسّع الحرب أو اندلاع حرب واسعة، وهذا ما يربك قادة العدو ويجعل كيانهم يعاني من استمرار مأزق فشلهم في السعي إلى إخراجه منه…
على أنّ حرب الاستنزاف هي الاستراتيجية التي تعتمدها المقاومة المسلحة ضدّ الاحتلال، بسبب فارق القوة والامكانيات التي يمتلكها كيان العدو، إلى جانب الدعم غير المحدود الذي يحظى به من أقوى دولة في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، ما يجعل من الصعب على المقاومة تحقيق النصر بالضربة القاضية، ولهذا تعتمد استراتيجية شن حرب الاستنزاف لأنهاك جيش الاحتلال وكيان العدو وصولاً إلى إجباره على التراجع تلو الآخر إلى أن يتكلل ذلك بتحقيق ما يُسمى الإنجاز النوعي بإلحاق الهزيمة به، على غرار ما حصل من انتصار تاريخي في 25 أيار عام 2000، وفي تموز عام 2006… هذان الانتصاران جاءا نتيجة إدارة المقاومة لحرب استنزاف مكلفة للعدو كبّدته خسائر فادحة.. فجّرت التناقضات والصراعات داخل صفوفه، وجعلته غير قادر على مواصلة تحمّلها…
من هنا فإنّ مكمن ضعف جيش الاحتلال إنما يكمن في مواجهة استراتيجية مقاومة تتقن شنّ حرب الاستنزاف ضدّه، باستخدام أساليب الحرب غير النظامية، أو حرب العصابات، وتوظف فيها القدرات والتقنيات العسكرية، مما يجعل العدو يفقد القدرة على تحقيق النصر ويدخله في مستنقع مستمرّ من النزف الذي لا نهاية له إلا بتراجعه والتسليم بالفشل والهزيمة في تحقيق أهدافه…
هذه الاستراتيجية التي تعتمدها المقاومة في لبنان ضدّ كيان الاحتلال نصرة لغزة، وهي الاستراتيجية التي تنتهجها أيضاً المقاومة الفلسطينية في مواجهة جيش احتلال يملك أحدث الأسلحة المدمّرة والتقنيات العسكرية الأميركية.. الأمر الذي جعله يغرق في وحل غزة، باعتراف قادته، فيما هم يقفون عاجزين عن إيجاد سبيل يوقف حرب الاستنزاف التي يتعرّض لها كيانهم في الشمال، من قبل المقاومة في جنوب لبنان.. انها استراتيجية المقاومة الناجحة في مواجهة عدو لا يفهم لغة سواها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى