أولى

الضفة الغربية على خطى غزة بالشكل والمضمون

سعادة مصطفى أرشيد*

فشل الإسرائيلي حتى الآن في توسيع دائرة الحرب الإقليمية، وهذا لا يعني أنه تخلّى عن هذه الرغبة وإنما يقطّع الوقت بانتظار اكتمال عناصرها وأغطيتها الدولية ليطلقها من جديد، ولكنه لا يريد أن يضيع الوقت. ففيما المعركة مستعرة في غزة أطلق فجر أمس الأربعاء، جنون عملية عسكرية وأمنية في شمال الضفة الغربية تستهدف سحق المقاومة واجتثاثها من جذورها حسب قوله، وكما قال في بداية حرب تشرين الثانية عن المقاومة في غزة هذه الحرب التي أخذت تقترب من إكمال عامها الأول فيما المقاومة الغزية تتعمّق جذورها وتترسّخ قيمها ومفاهيمها وتنتقل من حالة مقتصرة على غزة ومقاومتها لتصبح حالة فلسطينية عامة لا بل قومية وعربية أيضاً.
الحرب في الضفة الغربية تبدو خطاها ومعالمها على خطى ومعالم الحرب ذاتها في غزة بالشكل والمضمون. وقد كان الاحتلال قد أجرى اختبارات في الشهور الماضية عبر اجتياحاته لمخيم جنين ومخيم طولكرم ضارباً البنى التحتيّة للمدن والمخيمات من ماء ومحوّلات كهرباء وشبكات صرف صحيّ وشوارع، وقد جاء منذ فجر أمس ليعيد تدميرها بما هو أفدح ويضاف إليها على خطوات غزة كحصار المستشفيات وعدم وجود مناطق آمنة ثم الحديث عن ترحيل مؤقت لسكان سيتحوّل ولا بد إلى ترحيل دائم لا إلى مناطق مجاورة للمخيمات والمدن في جنين ونابلس وطولكرم وإنما إلى ما هو أبعد من ذلك.
دولة الاحتلال حكومة ومعارضة ترى أن اتفاق أوسلو قد حقق المطلوب منه، وبالتالي فإنّ الزمن قد تجاوزه ومصالح الدولة اليهودية قد تجاوزتها وتجاوزت كثيراً من مفرزاته وأشخاصه التي أصبحت من لزوم ما لا يلزم. وما يجري في شمال الضفة الغربية منذ فجر أمس، سيمثّل ضربة قوية لمشروع السلطة الفلسطينية في رام الله الذي يترنّح وإن كان بعض فلاسفته قد راهنوا على انهيار غزة ومقاومتها وإذا بهم من يتهدّده الانهيار ويثبت فساد ما كان يعشعش في عقله من أوهام أنه يمثل حاجة (إسرائيلية) لا يمكن الاستغناء عنها.
ولما كانت عقلية المجتمع السياسي الإسرائيلي حكومة ومعارضة وإن تفاوتت النسب لا ترى ضرورة للاستمرار في أوسلو وإنما الذهاب في مشروع ضمّ معظم أراضي الضفة الغربية وترحيل فلسطينيين إلى الخارج الذي يعني الأردن بالدرجة الأولى فإن هذه العقلية تعلن بشكل مباشر وصريح لا بل وقح ولا مواربة فيه أن اتفاق وادي عربة الموقع مع الأردن عام 1994 قد تجاوزه الزمن أيضاً ويكفيه من العمر ثلاثة عقود وهو ما يجب على عمان ملاحظته وإدراك أن مجاملة تل أبيب والتصدي لصواريخ إيران والحديث عن النأي بالنفس لا يحميها من هذا الغول المتوحش.
السلوك الإسرائيلي الواضح ذهب أيضاً باتجاه مصر واتفاق كامب ديفيد الموقع عام 1978 قبل أربعة عقود ونصف والذي يراه (الإسرائيلي) أيضاً أنه قد أصبح قديماً ومتهالكاً. وهذا ما ظهر بجلاء في السلوك (الإسرائيلي) مؤخراً تجاه معبر رفح ونتساريم ومحور فيلادلفيا، في حين لا زالت مصر قابلة على ممارسة دور التيس المستعار وتدعو لمحادثات تهدئة وتضغط على المقاومة للقبول بالشروط (الإسرائيلية) المنشأ الأميركية – المصرية – القطرية الصياغة.
لا يملك أهل جنين وطولكرم ونابلس وطوباس وما حولهم من مخيمات من خيار إلا مضاعفة القدرة على الاحتمال والصمود، فالجيش (الإسرائيلي) في قصفه وعدوانه في عمليته العسكرية هذه، لا يفرّق بين مقاوم ومهادن، بين مَن ينتمي الى هذا التنظيم او يتبع تلك العقيدة وبين مَن ينتمي الى غير ذلك، فالكل مستهدف بالقدر ذاته وبالطريقة ذاتها، وبناء على ما تقدّم وبما أن الكل يتعرض للمقدار ذاته من الأذى بغض النظر عن مرجعتيه العقائدية أو الحزبية فإن الكل أيضاً أو معظمه سيكون منخرطاً بحسب ظروفه وإمكانيّاته في مشروع الصمود والتصدّي.
أما مَن لم يوقّع حتى الآن على اتفاقات التطبيع وبانتظار أن يوقّعها قريباً فله العبرة والمثل والموعظة في ما تفعله دولة الاحتلال مع السلطة الفلسطينية واتفاق أوسلو ومع الأردن واتفاق وادي عربة ومع مصر واتفاقية كامب ديفيد، فهذه مشاهد حية عن مصير أي اتفاقات مع كيان لا يرى قدسية بأي اتفاق. وهذه هي النتيجة الحتمية لعقود من المجاملة والتماهي مع المشروع الغربي الذي لا يفي باتفاقياته وتعهداته ولا يضمن البقاء لأحد انتهت وظيفته.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين – فلسطين المحتلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى