مقالات وآراء

كيف تنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق…؟

محمد الساعدي

شكلّت المباحثات بين الولايات المتحدة الأميركية والعراق حول خروج قوات التحالف الدولي وتحديداً الأميركية منها هاجساً كبيراً لدى القيادات العراقية السياسية والأمنية، واختلفت القوى السياسية حول هذا الخروج، فمنهم من يعتقد انّ العراق ما زال بحاجة لوجود هذه القوات لوجود تهديدات مباشرة من قبل العصابات الإرهابية، وهناك من يعتقد انّ إنهاء وجودهم ربما سيشكل تهديداً لوجوده السياسي، ولكن الغالب على هذه الرؤى اتفقت على ضرورة خروجهم من العراق نهائياً، والاعتماد على القوى الأمنية بكافة صنوفها الى جانب الحشد الشعبي الذي أثبت جدارة ومهارة عسكرية في حفظ البلاد من الانهيار.
الولايات المتحدة الأميركية تبحث عن ذريعة لها للبقاء في العراق، من خلال خلق الأزمات مع الجانب العراقي لذلك سعت حكومة السيد محمد شياع السوداني الى الجلوس مع الجانب الأميركي ووضع ركائز العلاقة بين الجانبين وفق المصالح الاقتصادية المشتركة والإسراع بحلّ أيّ إشكالات فنية من شأنها تأخير عمليات الانسحاب والتي اتفق الجانبان على إنهائها خلال سنة واحدة في ما يتعلق بالقواعد الموجودة في الأنبار وغيرها، وخلال سنتين في ما يتعلق بالمعسكرات الموجودة في إقليم كردستان، وذلك من أجل إنهاء الملف العسكري والتحوّل نحو ملف العلاقات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعت عام 2008 والتي تمّ بموجبها رسم العلاقة وحجم ما تقدّمه واشنطن تجاه العراق والتي هي الأخرى أمست حبراً على ورق.
الحكومة العراقية حرصت أشدّ الحرص على أن تكون من أشدّ المؤيدين للعمل بشكل وثيق مع جميع الجهات الفاعلة الدولية، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية والتي تمثل الشريك الرئيسي للعراق، حيث استطاع العراق أن يكون لاعباً أقليمياً بنّاء وعامل استقرار، ونجح الى حدّ كبير في التوسّط لإنهاء صراعات وخلافات معقدة في المنطقة، مثل الخلاف بين طهران والرياض والذي استمرّ لعقود مضت، وتقريب وجهات النظر بين دمشق والرياض وإعادتها الى حاضنة الجامعة العربية بعد قطيعة استمرت لسنوات، ما جعل العراق يكتسب علاقات متميّزة مع المجتمع الدولي عموماً.
العلاقات الأميركية العراقية أقتربت كثيراً من خارطة العلاقة في زمن ترامب 2020، حيث رفضت بغداد التجاوز على سيادتها سواء من الجانب الأميركي او أي طرف آخر، وانّ العراق لن يكون ساحة لتصفية الحسابات بين القوى المتصارعة، وعلى الرغم من التصريحات القوية من العراق إلا أنّ رئيس الوزراء أرسل رسائل تهدئة الى واشنطن أثناء حديثه الى الصحافة من خلال الإشارة الى أنّ إنهاء الوجود الأميركي سيعني بداية لعلاقة جديدة بين البلدين، وانّ هذه العلاقة ستتسع مع حجم المصالح المتبادلة بين الطرفين في مختلف المجالات وتفعيل «الاتفاقية الاستراتيجية» بين البلدين والانتقال الى العلاقات الثنائية بين الجانبين.
في ظلّ الوضع الراهن والتأثير الكبير سوف يحتاج العراق إلى عمل مضنٍ لإرضاء الجميع وخروجه منتصراً، ولا يزال امام الحكومة العراقية ان تعمل بمصداقية ووضع مصالح العراق في المقام الأول وحماية البلاد من المنافسات العابرة، ويجب على العراق أن يتفاوض على إجراء العديد من الصفقات والتي من شأنها درء الخطر المحدق وتفويت الفرصة على من يريد بالبلاد الخراب والتراجع من خلال علاقات مبنية على الوثيقة الموقعة مع التحالف دون أيّ جداول زمنية أو مواعيد نهائية قسرية، كما ينبغي على الحكومة العراقية عليها ان تنخرط في حوار شامل، يشمل جميع شركاء التحالف، ويغطي القضايا الأمنية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية. وأي نهج آخر سيكون محفوفاً بالمخاطر وقد يؤدي إلى نتائج خاسرة لجميع أصحاب المصلحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى