البحث عن هدنة… ولكن!
د. حسن مرهج
بداية لا بدّ من التنويه بأنّ اتفاق وقف إطلاق النار وتفعيل الهدنة والتهدئة في غزة، تحكمه في الشكل محدّدات متعددة، لكن في المضمون صحيح أنّ الجميع متفق على ضرورة التهدئة وإقرار الهدنة ووقف التصعيد وإطلاق النار، لكن الصحيح أيضاً أنّ الجميع يبحث عن عناوين الانتصار على حساب الطرف الآخر، وهذا ما يُعقّد مسار التوصل إلى اتفاق، والذي يبدو أنه في ظلّ العراقيل سيحتاج وقتاً طويلاً.
حقيقة الأمر هناك أربع نقاط وهي رئيسية لكنها شائكة وتعرقل التوصل إلى إقرار الهدنة.
أولى هذه النقاط يتمثل في ملف الأسرى الذين تطالب «إسرائيل» بإطلاق سراحهم، وتشمل النقاط الأخرى مطالبة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتانياهو، بعدم عودة المسلحين إلى شمالي قطاع غزة، بالإضافة إلى رغبته ببقاء قوات الاحتلال عند معبر رفح جنوبي القطاع، وأخيراً فإنّ النقطة الأكثر إثارة للخلاف تتمثل في رغبة نتنياهو بأن لا يكون وقف إطلاق النار إلى أجل غير مسمّى أمراً ملزماً لـ «إسرائيل».
وثمة نقطة خلاف ستظهر لاحقاً، وهي البند الذي يلزم «إسرائيل» بسحب قواتها من المناطق المأهولة بالسكان في غزة.
ربطاً بذلك فقد دعت حماس والقاهرة إلى أن يشمل أيّ انسحاب مدينة رفح الجنوبية والمعبر الحدودي مع مصر، وهنا لا بدّ من التذكير بأنه وبموجب المقترح الذي أعلنه بايدن، فإنه في اليوم السادس عشر من الهدنة الأولية، ستبدأ «إسرائيل» وحماس محادثات بشأن المرحلة الثانية. وإذا ثبت أنّ هذه المفاوضات مطولة، فسيتمّ تمديد الهدنة الأوّلية إلى ما بعد الأسابيع الستة المخصصة، حسب الرئيس الأميركي.
بصرف النظر عن كلّ ما سبق، فإنّ نتنياهو لا يزال يتمسّك بعدم الانسحاب بشكل كامل من القطاع، ويريد إبقاء سيطرته الأمنية بشكل كامل على معبر رفح ومحور فيلادلفيا، فضلاً عن وقف إطلاق النار بشكل مؤقت، وهو ما ترفضه حماس والجانب المصري على السواء.
الأهمّ أنّ الجانب «الإسرائيلي» يتمسك بفرض رقابة وقيود على عودة النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة، وهو ما ترفضه حركة حماس بشكل قاطع، وحتى لحظة اتفاق الطرفين على تلك المعوقات وتخطيها، سيبقى الوضع في غزة على ما هو عليه، مع إمكانية انفجار حرب إقليمية كبيرة، وهذا ما لا يتمناه أحد.
وفي ظلّ استمرار الحرب وحالة التصعيد، فإنّ البحث عن هدنة بات أمراً ضرورياً لكلّ أطراف الصراع، والحديث عن وقف إطلاق النار رغم معوقاته، إلا أنه كفيل بتبريد مناخ المنطقة الملتهب، ولا بدّ من دور أممي ضاغط على «إسرائيل» لوقف حربها، فـ المنطقة لا تحتمل حرباً جديدة، لكنها إنْ حدثت فإنّ نيران تلك الحرب ستطال الولايات المتحدة أولاً وحلفاءها ثانياً، وستتحوّل المنطقة إلى كتلة من نار لا يريدها أحد…