أولى

إضراب عام الهستدروت نقطة تحوّل تضع نتنياهو بين خيارين…

 حسن حردان

هل سيشكل الإضراب العام الذي أعلنه اتحاد العمال «الإسرائيلي»، الهستدروت، الذي شلّ الحركة الاقتصادية والمرافق العامة وحركة المواصلات، نقطة تحوّل في كيان الاحتلال لتغيير موازين القوى لصالح إجبار نتنياهو على قبول عقد صفقة لتبادل الأسرى مع حركة حماس…
الواضح أنّ الإضراب الأول من نوعه، منذ 7 أكتوبر، جاء بعد جملة من التطورات التالية:
التطور الأول، الاجتماع الذي عُقد بين قيادة اتحاد العمال مع عائلات الأسرى، اثر الإعلان عن اكتشاف جثث ستة أسرى في أحد أنفاق رفح، كان أربعة منهم سيُطلق سراحهم في المرحلة الأولى من صفقة تبادل فيما لو عقدت.. وتبيّن انّ الضغط العسكري لا يعيد الأسرى إلا قتلى..
التطور الثاني، دعوة رئيس معسكر الدولة بيني غانتس للنزول إلى الشارع والمشاركة في الاحتجاجات، ونزول أكثر من 300 الف إلى الشارع يوم الاحد الفائت دعماً لمطالب عائلات الأسرى، وهو الرقم الأكبر منذ بداية الحرب…
التطور الثالث، تصاعد الخلاف مجدّداً بين وزير الحرب يوآف غالانت ورئيس الحكومة نتنياهو بشأن الصفقة، حيث يؤيد غالانت الصفقة بما يعكس موقف الجيش الذي بات يتوق ويضغط لوقف الحرب نتيجة الخسائر الفادحة التي أصابته وعدم وجود أفق لتحقيق الأهداف في غزة واستعادة الأسرى بالقوة، وأصبح يعاني من الإنهاك والإرهاق الشديدين…
من هنا فإنّ الإضراب اعتبر بنظر المراقبين والمحللين محطة تحوّل هامة في اتجاه انضمام كتلة كبيرة من الرأي العام «الإسرائيلي» إلى صف عائلات الأسرى بدعم مطالبها في الدعوة لوقف الحرب لاستعادة الأسرى، مما يزيد من منسوب الضغط على نتنياهو المتصلب في موقفه الرافض لأيّ صفقة إلا بشروطه، لا توقف الحرب، وهو ما ترفضه حماس..
ومعروف أنّ اتحاد العمال لعب دوراً قبل أكثر من عام في إجبار نتنياهو على التراجع عن التعديلات القضائية، وعن إقالة غالانت، بعد أن هدّد الاتحاد بالإضراب العام وخرج مئات الآلاف إلى الشوارع..
الآن يوجد مؤشر قوي في هذا الاتجاه تمثل في نزول 300 ألف من الإسرائيليين إلى الشوارع سبق تنفيذ الإضراب العام، فإنّ ذلك يعني انّ موازين قوى جديدة بدأت تنشئ في الكيان وتميل شيئاً فشيئاً إلى جعل الكيان بين خيارين:
الأول، رضوخ نتنياهو وحكومته لضغط الشارع والجيش وقبول صفقة تبادل للأسرى مع حماس وفق المقترح الأميركي في 2 تموز الماضي، الذي كان قد صاغه نتنياهو وفوجئ بموافقة حماس عليه.. ما يعني توقف الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة ورفع الحصار وإعادة إعمار غزة، وبالتالي التسليم بفشل أهداف الحرب.. وهو أمر سيؤدي إلى خسارة نتنياهو للحكم في الكيان وبالتالي تعرّض مستقبله السياسي للخطر ومواجهة المحاكمة والسجن على خلفية تهم الفساد والمسؤولية عن الفشل في 7 اكتوبر والحرب في غزة..
الثاني، رفض نتنياهو الاستجابة للضغط الشعبي، وممارسة الدكتاتورية في مواجهة المعارضة المتزايدة، وهو ما عكسه اتهام قيادة الهستدروت بدعم السنوار، وإقدامه بالضغط على محكمة العمل لوقف الإضراب، ورضوخ المحكمة لضغطه بدعوة انّ الإضراب سياسي وليس اقتصادياً، فيما أعلن نتنياهو انه لن ينسحب من محور فيلادلفيا، وكلّ ذلك لحماية مستقبله السياسي، ما سيهدّد باستمرار الأزمة وتفاقمها وتصاعد التظاهرات واحتمالات تدحرج الوضع باتجاه واحد من احتمالين:
الاحتمال الأول، انضمام كتل «إسرائيلية» جديدة إلى المشاركة في التظاهرات ودعم الصفقة، بما يحدث تحوّلاً كبيراً غير مسبوق ضد حكومة نتنياهو ينزع عنها الشرعية الشعبية، ويستند اليه الجيش لتنفيذ انقلاب عسكري، مدعوماً من غالبية الإسرائيليين، يطيح بحكومة نتنياهو، وتشكيل حكومة مؤقتة ريثما تجري انتخابات جديدة، وتقوم بإنجاز الصفقة مع حماس تنهي الحرب..
الاحتمال الثاني، نشوب حرب أهلية، على خلفية إصرار نتنياهو وحزبه الليكود وأحزاب اليمين المتطرف على رفض إبرام صفقة توقف الحرب، ويستمدّ هذا الاحتمال من امتلاك الأحزاب المتطرفة وأنصارها من المستوطنين السلاح.. وإصرار نتنياهو على موقفه، مهاجمة وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش قيادة اتحاد العمال لدعوتها إلى الإضراب واتهامها بدعم السنوار… وكذلك مهاجمة غالانت لتأييده الصفقة.
الواضح انّ الرأي العام الإسرائيلي بدأ يصل إلى مرحلة اليأس من مواصلة الحرب طريقاً لاستعادة الأسرى بالقوة، وانّ الاتجاه الداعم لاستمرار الحرب أصبح يفتقد الى تأييد الغالبية الإسرائيلية، بعد الفشل العسكري، وأنّ الإضراب العمالي العام الذي دعا اليه الهستدروت.. والذي انضمّت اليه نقابات أخرى.. إنما يعكس خروج الغالبية عن صمتها وسلبيتها ازاء تعنّت نتنياهو وتجاهل مطالب الجيش وعائلات الأسرى…
منذ البداية كان واضحاً انّ الحرب لن تتوقف طالما لم يحصل تحوّل في موقف الجيش والشارع الإسرائيلي ضدّ قرار حكومة نتنياهو مواصلة الحرب وتعطيل إمكانية انجاز صفقة لتبادل الأسرى.. وبالتالي فقدان الحكومة الغطاء الشعبي للحرب، الذي توافر في البداية،
وقد جاء فيديو كتائب عز الدين القسام ليقول للإسرائيليين انّ الأسرى الستة قتلوا بقصف الجيش الإسرائيلي ونتيجة تعنّت نتنياهو والعراقيل التي وضعها لمنع إنجاز الصفقة، وانّ السبيل لإطلاق ما تبقى من أسرى أحياء إنما يكمن في الموافقة على وقف الحرب والانسحاب من غزة.. إلى آخره من مطالب المقاومة الفلسطينية.. لإنجاز تبادل عادل وجاد للأسرى…
إنّ هذه التطورات التي يشهدها الكيان من احتدام للصراع وتنامي التأييد الشعبي لوقف الحرب، ما كانت لتحصل لولا المقاومة الضارية ونجاحها في إغراق جيش الاحتلال في مستنقع من الاستنزاف وتكبيده خسائر فادحة وإحباط أهدافه، ولولا الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، والدور الهام لقوى محور المقاومة التي انخرطت في معركة استنزاف كيان الاحتلال دعماً لغزة ومقاومتها، وخصوصاً من جنوب لبنان، واليمن.. ما فاقم من استنزاف كيان العدو وأسهم في التعجيل في تسعير التناقضات داخلة وتشكيل رأي عام يرجح التيار الداعي لقبول صفقة توقف الحرب.. الأمر الذي وضع نتنياهو وحكومته المتطرفة أمام مفترق طرق لأول مرة منذ بدء حرب الإبادة النازية ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى