مقالات وآراء

بنادق جنين لا تصدأ…

 شيماء ناصر الدرة

في جنين أصل البدايات، هو ذاته الاشتباك المقدس منذ القسام وأبو جندل وطوالبة وجرار ضدّ العصابات الإرهابية الصهيونية، التي اغتصبت أرضاً لتقيم عليها مذبحة لقتل وإبادة شعبنا، أيّ «أصحاب الأرض الحقيقيين» كقربان لإله الدمار والخراب «يهودة» الذي تعشقه وتعبده!
ما زال علي وحسن وعبد الله وعشرات الفتية يقارعون الاحتلال في أزقة مخيم جنين، ويلقون الأكواع المتفجرة في كلّ حملة مداهمات، وهم فخورون بأنهم من «عش الدبابير» والشوكة في حلق التنين، تلمعُ عيونهم مُراقِبةً كلَّ مُقاوم مُسلّحٍ، يتفحّصونه ويتأمّلون عتاده، بينما يسيرون مُتسلِّلين بينهم، بعضهم يواصل إلحاحه طالباً حمل السلاح، والبعض الآخر لا يكفّ عن لمسه والتعرّف عليه، حالمين بأن يعيد التاريخ نفسه من جديد لتجديد بوصلة المقاومة ضدّ الاحتلال بوحدة شعبية ميدانية.
مثّل مخيم جنين في العام 2002 أيقونة الوحدة الوطنية الفلسطينية في انتفاضة الأقصى، وإذ استطاع مخيم جنين البالغة مساحته كيلومتراً واحداً أن يجمع الكلّ الفلسطيني بين أزقته، ويحشد طاقات كلّ فصائله المقاومة، رغم اختلافاتهم السياسية والأيديولوجية، ضدّ عدو واحد هو الاحتلال، فبندقية الشهيد يوسف ريحان أبو جندل الفتحاوية صوّبت في نفس اتجاه بندقية الأسير جمال أبو الهيجا الحمساوي تحت غطاء انفجارات قنابل الشهيد محمود طوالبة قائد المعركة ابن «الجهاد الإسلامي»، إنما كان هناك عشاق للأرض والشهادة، اجتمعوا على أرض المخيم هدفهم واحد، وعلى قلب رجل واحد وتحت راية واحدة وهو علم فلسطين.
ها قد خابت مجازرهم بعد 20 عاماً من محاولاتهم لجعل جنين قبراً جماعياً لأبطالها، ولم يتوقف الصوت في جنين ولم تنطفئ شعلة الثورة، ونقشت حروف اسمه من دم في ذاكرة التاريخ، وبقيت شاهداً «جنباً إلى جنب مع دير ياسين وصبرة وشاتيلا وقانا و…» على حقدهم الأسود، نفس المشهد ولكن بشخوصٍ آخرين، لم يعاصروا القسام وأبو جندل وطوالبة، بل ولدوا في ليالي اجتياحها، وما ان بلغوا العشرين حتى أحيوا نهجهم وأصبحوا أبطالها وسلكوا ذات الطريق، لترسخ فيه قواعد الاشتباك.
وتجلت صورة الوحـــدة الوطنـــية فــي أرض الميـــدان وفي خندق المواجهة، وســـاعدت في التخطيط الســليم لإدارة العمليات داخل المخيم، مما كبّد الاحتلال خسائر فادحة بالأرواح لدى جنوده، وتدمير وإعطاب العديد من آلياته العسكرية خلال المعركة.
ومنذ مطلع العام الماضي، تصاعدت عمليات المقاومة والاشتباكات في محافظة جنين، لكن كثافتها كانت بعد تفجّر الأوضاع الميدانية، إثر الهبّة الشعبية ضدّ اقتحامات قوات الاحتلال المسجد الأقصى، وتهديدات بتهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة والعدوان على غزة، في أيار الماضي.
وكان مخيم جنين أحد أهمّ الأهداف المهمة، لما يمثله من عقبة حقيقية لفرض الأمن الذي يحلم به الاحتلال بوقف العمليات الفدائية، التي كانت في الغالب تخرج منه.
سياسة العقاب بحق جنين ومخيمها لم تجد نفعاً في المنظور الأمني «الإسرائيلي»، فظهور عشرات المسلحين يؤكد أنّ المخيم لا يزال نقطة ساخنة للتصعيد، وساحة تحمل في نهاية المطاف حربة المواجهة عند نفاذ الخيارات الميدانية.
ولم يستطع الاحتلال إيقاف العمليات الاستشهادية والمقاومة حتى بعد أن دمّر المخيم، وقتل وأسر من فيه، وشكل المخيم نموذجاً مقاوماً مهماً في تاريخ الصراع رغم إجرام الاحتلال.
أما مخيم جنين نفسه الواقع في محيط مدنية جنين فهو مخيم للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من قراهم ومدنهم في فلسطين عام 1948، وغالبية سكانه يعودون في أصولهم إلى مدن وقرى شمالي فلسطين، كحيفا وبيسان وجبال الكرمل، ويقع المخيم غربي مدينة جنين شمالي الضفة الغربية، وعدد سكانه يزيد عن عشرة آلاف نسمة، ومساحته لا تزيد عن 600 متر مربع.
في جنين بنادق الشهداء لا تصدأ، بل يتسابق عليها فرسان المخيم لأخد الثأر، ولتبقى أرض المخيم محرمة وكابوساً للاحتلال، لم يبخلوا يوماً بدمائهم كقربان إلى مذابح الحرية ضمن قافلة الشهداء الذين كانوا للأعداء نداً.. فكانوا صناع الحياة وأسرار عز وعناوين الفخر.
سلاماً وقبلة إليك شهيدنا القادم.. لا تنسى وصية جرار «ارتدِ ملابس أنيقة، صفّف شعرك جيداً، وتعطّر وابتسم للصوَر، فقد تكون أنت الشهيد التالي»…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى