النقابات بين مطرقة الحضور وسندان التحديات وتجاذب القوى
عباس قبيسي
إنّ العالم الذي نعيش فيه مبنيّ على التناقضات والتحديات وتجاذب القوى، وذلك غالباً ما يدفع الإنسان إلى بناء ذاته على أنقاض خراب الآخرين، وبما انّ السياسة المعتمدة من جانب الحكومات المتعاقبة مهّدت الى شبه إقصاء لدور النقابات العمالية عن عمليات رسم السياسة الاقتصادية والاجتماعية والحدّ من قدرتها على تحريك الشارع نحو الأهداف العامة مما سمح بإمرار سياسة النمو المدفوع بالأرباح على حساب جيوب العمال ومصالحهم، وتحديداً الضغط على الرواتب بعدما كانت تساوي ربع الناتج، أما اليوم فإنّ تقديرات الخبراء الاقتصاديين تشير إلى أنها لا تتجاوز 15% منه، ولذلك على النقابات ان تفرض نفسها كشريك أساسي ولاعب محوري والضغط لاعتماد سياسة النمو المدفوع من الأجر التي تحصّن الراتب من أجل تكريس مشاركة العمال في صنع القرار وتحفيز الطلب والاستهلاك الذي يؤدّي الى زيادة الإنتاج والنمو.
إنّ تأسيس النقابات هو حق لكلّ فئة من فئات المهن، وتنحصر غاية النقابة في الأمور التي من شأنها حماية المهنة وتشجيعها ورفع مستواها والدفاع عن مصالح عمالها والعمل على تقدّمها، كما يمكن للنقابة أن تتخذ أشكالاً متعددة، كتحسين شروط الطبقة العامله والمطالبة بحقوقهم وليس بالضرورة أن ينتسب جميع العمال إليها.
انّ الهدف الرئيسي لدور النقابة هو ضمان أجور أفضل، وتحسين ظروف العمل والسعي لتقاعد لائق واللجوء للتحكيم أمام مجالس العمل والضغط لإقرار قوانين تشريعية أفضل، وتهدف إلى ضمان حماية حقوق العمال وعدم استغلالها من جانب أرباب العمل وضمان سماع صوت العمال واحترامه وإيصاله الى آذان المعنيين، بالإضافة إلى ذلك تتمتع النقابات العمالية بمجموعة واسعة من الوظائف، منها المفاوضة الجماعية والتعليم والتدريب وحلّ النزاعات. والمفاوضة الجماعية هي الوظيفة الأكثر شيوعاً، والتي تتضمّن التفاوض مع أصحاب العمل بهدف تحقيق أجور أفضل، وتوفير التعليم والتدريب للعمال مما يعزز قدرتهم على القيام بعملهم وإعدادهم بشكل جيد، وتتمثل إحدى المزايا المهمة للنقابات في أنها توفر إحساساً معنوياً بقوة المفاوضة الجماعية والضغط، ومن المرجح النجاح والحصول على ظروف أفضل، وغالباً ما يتردّد العمال في التفاوض بشكل فردي مع أصحاب العمل بشأن ظروف عملهم وأجورهم وذلك بسبب افتقارهم إلى القدرة على المساومة والتفاوض، وتكمن الإشكاليه الأكثر وضوحاً هي أنّ عمل النقابات التطوعي غالباً ما يؤدي إلى صراعات مع الإدارة وأرباب العمل، وفي كثير من الحالات يمكن أن تتصاعد هذه النزاعات، والتي يمكن أن يكون لها آثار ضارّة ومدمّرة على المؤسسات والشركات ككلّ، ويمكن أن تؤدي الإضرابات المتكررة إلى انخفاض الإنتاجية وتراجع الإيرادات، ويمكن أن تضرّ الإضرابات بالعمال أنفسهم من خلال التسبّب في تسريح عدد من العمال أو غيرها من الآثار السلبية خاصة في البلدان النامية.
ختاماً، «مَن لا يدفع ثمن التغيير سيدفع ثمن البقاء في مكانه» وحتى لا نستمرّ في خلط دواء العلاج بأوهام التشخيص الخاطئ، انّ أحد أهمّ الأسباب في إخفاق العمال في احتجاجاتهم وفشل إضراباتهم، هي الأجور الهزيلة التي يحصلون عليها والتي لا تمكنهم من الصمود طويلاً في مواجهة ضغوط وترهيب وممارسات أرباب العمل، وعلى الاتحادات والنقابات أن تفرض نفسها وتشارك بشكل فاعل في المفاوضات وترتقي بالنقابي وتنمّي قدراته التفاوضية وتحسّن وضعه المادي من أجل حمايته من التأثيرات السلبية التي غالباً ما تقترن بسلسلة من الأزمات، والضغط بإتجاه تغيير المفهوم السائد لدى أصحاب القرار وهو «أنّ السيطرة على التضخم والحدّ من النفقات هي الوسيلة السليمة لتحقيق التوازن في الإقتصاد» واعتماد مفهوم عصري في تقييم المسار بحيث انّ نمواً لا ينعكس تحسّناً في مؤشر التنمية البشرية للأفراد وفي مؤشرات البطالة ونوعية العمل والأجر اللائق يبقى نمواً ناقصاً غير قادر على تحقيق العيش الكريم…