أولى

رياض سلامة ومفاتيحه السحرية…!

أحمد بهجة*

لم يكن يوم الثلاثاء 3 أيلول 2024 يوماً عادياً في لبنان، فقد حمل مفاجأة كبيرة غير متوقّعة لمعظم اللبنانيين وربما لغيرهم أيضاً، والمفاجأة هي توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، الذي كانت تظلّله حمايات وخطوط حمر متعدّدة ومتنوّعة داخلية وخارجية.
لطالما تمنّى اللبنانيون حصول هذا الأمر نظراً للمعاناة التي تسبّبت بها سياسات وأفعال سلامة في المصرف المركزي، على كلّ المستويات النقدية والمالية والاقتصادية، لكنهم كانوا يستبعدون حصول ذلك نتيجة التجارب السابقة في قضايا من هذا النوع بل حتى أصغر من هذه القضية المتعلقة بمصير بلد بأكمله جرى إفلاسه ونهب أموال دولته وودائع مواطنيه ومغتربيه ومعهم بعض المودعين العرب والأجانب.
أما وقد حصل التوقيف، فإنّ التوجّس لا يزال قائماً خوفاً من لفلفة القصة كلها من خلال التركيز على ملف الاستشارات وملايينه المحدّدة وترك مليارات الدولارات ضائعة لا يعرف مصيرها إلا الذين صارت في حساباتهم في الخارج.
ومع الاحترام الكامل للقضاء وخاصة لمدّعي عام التمييز بالإنابة القاضي جمال الحجار الذي اتخذ خطوة جريئة ربما هي الأكثر جرأة وأهمية في تاريخ القضاء اللبناني، فإنّ طرح الأسئلة مشروع ومطلوب حول توقيت التوقيف، وكذلك حول المسار الذي سيأخذه هذا الملف بدءاً من اليوم الاثنين على يد قاضي التحقيق الأول بالإنابة في بيروت القاضي بلال حلاوي الذي يتحدث الكثيرون عن نزاهته وكفاءته، حيث يُساق سلامة مخفوراً من سجنه في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إلى قصر العدل في بيروت للمثول أمام القاضي حلاوي.
وبما أنّ القضية كبيرة ومتشعّبة وتطال بلداً بأكمله وشعباً بأسره فإنّ الأسئلة كثيرة وكبيرة جداً، لأنّ حجم الأموال الضائعة أو بتعبير أدقّ المنهوبة يفوق السبعين مليار دولار كما أثبتته خطة التعافي التي أعدّتها حكومة الرئيس البروفيسور حسان دياب، والتي أيّدها صندوق النقد الدولي، ولم يكن بعيداً عنها تقرير التدقيق الجنائي الذي خرجت به شركة «ألفاريز أند مارسال».
المهمّ أن تصل التحقيقات إلى النتيجة التي يتوخاها كلّ اللبنانيين، سواء أصحاب الودائع أو بقية المواطنين الذين لا حسابات لهم في المصارف، لأنّ استعادة الأموال المنهوبة و/أو المُحوّلة إلى الخارج كفيل بوضع الحلول الإنقاذية للمشاكل الاقتصادية والمالية موضع التنفيذ، وهذا يطال جميع الناس الذين فقدوا الأمل بالفعل وأصابهم اليأس، وباتت الغالبية الكبرى منهم على قناعة بأنّ الحلول المرجوّة مستحيلة وغير ممكنة التطبيق.
حجم الأموال المنهوبة و/أو المُحوّلة يفوق بأضعاف مضاعفة ما نطلبه من مساعدات لكي ننفّذ الحلول الإنقاذية، ولا شكّ أنّ استعادتها يُغنينا عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشروطهما، علماً أنّ بعض هذه الشروط يجب أن ننفذها بأنفسنا خاصة تلك المتعلقة بالشفافية والمحاسبة والمساءلة، لأن لا شيء أوصلنا إلى هنا إلا غياب هذه الأمور، منذ زمن قديم جداً لا سيما بعد انطلاق ما سُمّيَ مسيرة الإنماء والإعمار في مطلع التسعينات حين تمّ تشريع الأبواب كلها على الاستدانة بالليرة ثم بالدولار الأميركي واليورو وغيرهما، وبفوائد هائلة لا يمكن أن تمرّ في بلد يحكمه القانون والمؤسسات…!
ختاماً… لا يمكن لأحد القول إنّ رياض سلامة مسؤول لوحده عن كلّ الموبقات التي جرى ارتكابها طوال ثلاثين سنة، لكن توقيفه يمثل فرصة كبيرة لا يمكن تفويتها، لأنّ الرجل يملك المفاتيح السحرية التي تفتح كلّ الأبواب والدهاليز والملفات، وتوصل القضاء إلى محاسبة ومعاقبة كلّ شركائه والمستفيدين معه من المال العام والخاص، والأهمّ استعادة الأموال العامة وأموال المودعين، وهو ما يمثل الأمل الأخير للإنقاذ ولوضع البلد مجدّداً على سكة التعافي…

*باحث وخبير مالي واقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى