النبي محمد انتصر بالنقاط لا بالضربة القاضية
د. فخري مشكور
يكثر الحديث هذه الأيام عن سبب عدم توجيه المقاومة ضربة قاضية لـ «إسرائيل» لمحوها من الوجود وتحرير كامل فلسطين وإعادة أهلها اليها.
ترى هذه الأصوات أنّ الضربة القاضية يجب أن تتمّ وفاءً لوعود المقاومة، واستثماراً للفرصة السانحة، وتوظيفاً للسلاح المتطوّر الذي راكمته وفاجأت به «إسرائيل»، خصوصاً بعد السابع من اكتوبر وما تلاه حيث تلاحقت انتصارات مقاومة غزة وحزب الله وأنصار الله والمقاومة العراقية ومعهم وفوقهم ووراءهم الجمهورية الإسلامية التي رفعت شعار تحرير فلسطين منذ انطلاقتها الأولى.
سؤال «لماذا تفضّل المقاومة كسب الحرب على إسرائيل بالنقاط لا بالضربة القاضية؟» ينطلق من فريقين من الناس:
ـ مخلصين متلهّفين يستعجلون النصر مدفوعين بألم المجازر الجماعيّة التي تمارسها «إسرائيل» في الانتقام من غزة والضفة.
ـ ومنافقين تشغّلهم الوحدة 8200 في الموساد من أجل تخريب الحاضنة الشعبية للمقاومة وتعمل كطابور خامس خلف خطوط العدّة لتثبّط الهمم وتنشر اليأس من النصر مستعينة بشعار حب الحياة دون اشتراط العزة والكرامة ولا السيادة والاستقلال.
الذين تضرّروا من ضرب مقرّ الوحدة 8200 يقولون إنّ عدم إنزال الضربة القاضية بـ «إسرائيل» يكشف انّ المقاومة تمارس تكتيكاً متفقاً عليه بين «إسرائيل» والمقاومة! وهو ادّعاء يكشف عن حاجة أصحاب هذا الادّعاء الى طبيب أكثر من حاجتهم الى محلل سياسي.
السؤال ـ على كلّ حال ـ يحتاج الى جواب يثبت قلوب المؤمنين بالمقاومة، ويفضح نيات المنافقين المتلبّسين بشعار حب الحياة او الحرص على أرواح الفلسطينيين.
نقول للمخلصين وللمنافقين معاً: هل تعرفون حرباً في العصر الحديث تمّ ربحها بالضربة القاضية دون المرور بمراحل ودون خوض معارك وتطوير التكتيكات والاستراتيجيات وفق متغيّرات الصراع وتباين موازين القوى؟
هل انتصرت أميركا في فيتنام أو في أفغانستان بالضربة القاضية؟
هل انتصر الغرب على الاتحاد السوفياتي بالضربة القاضية؟
هل انتصر الحلفاء على المحور بضربة قاضية؟
لم تُحسم تلك الحروب بضربة قاضية، بالرغم من القوة العسكرية الهائلة لأطراف الحرب، بل تجمّعت النقاط لعدة سنوات انتهت بضربة قاضية كما تنضج التفاحة في بضعة أشهر ثم تسقط بضربة واحدة من عصا الفلاح أو من هبوب الرياح.
ولمن يستخدمون الإسلام السني في تشويشهم على المقاومة نقول: لماذا تغيّرت دعواتكم للجهاد من أجل «نصرة أهل السنة في سورية» الى خذلانكم «أهل السنة في فلسطين»؟
ولماذا تريدون أن تقضي المقاومة على «إسرائيل» بالضربة القاضية، بينما خضتم حربكم القذرة على سورية ـ جنوداً للغرب والخليج ـ فاتبعتم تكتيك النصر بالنقاط؟ لماذا لم تتبعوا تكتيك الضربة القاضية ومعكم كلّ السلاح الغربي وكلّ المال العربي وكلّ الإعلام الصهيوـ أميركي؟
ولأنكم تلبسون مسوح الدين نسألكم: لماذا قضى رسول الله عشرين عاماً يقاوم قريشاً والمشركين وخاض معهم الحروب لسنوات وعلى مراحل انتهت أخيراً بفتح مكة بدون ضربة قاضية بل دخلها سلماً بعد ربح نقاط تراكمت حتى جعلت مكة تسقط بيد رسول الله فدخلها فاتحاً منتصراً بدون قتال؟
ألم يكن رسول الله مؤيَّداً بنصر الله؟ ألم تكن الملائكة تقاتل مع المسلمين؟ ومَن كانت معه قوة المسلمين والنصر الإلهي والملائكة المسوّمين وجبريل وصالح المؤمنين، ما الذي جعله يؤخّر الضربة القاضية من اليوم الأول ويتبع تكتيك النصر بالنقاط في حروب متتالية استمرّت حتى آخر عام من حياته المباركة؟
أم ترونه كان يخوض حروباً مسرحية متفّقاً عليها مع قريش! (كما تدّعون اليوم في حرب المقاومة مع إسرائيل)؟
نبئونا بعلمٍ إنْ كنتم صادقين
أو كونوا قردةً خاسئين.