نقاط على الحروف

التصعيد في سورية… هل هذا ما تنبأ به بوتين؟

ناصر قنديل

– تدور الأحداث دورة كاملة فتعود سورية في واجهة الأحداث الكبرى، واليوم يبدو كأنّ الصراع حول قضيتي المنطقة الكبيرتين، مستقبل الحروب الإسرائيلية ومستقبل السيطرة الأميركية في المنطقة يتمركز في سورية، وينسى الكثيرون أن في سورية فقط يتمركز الأقطاب المتصارعون وجهاً لوجه، ففي سورية فقط احتلال تركي ومشروع انفصالي كردي، واحتلال إسرائيلي وانتشار لقوى المقاومة وعلى رأسها حزب الله، وفي سورية فقط أيضاً تتمركز إيران وتتمركز روسيا وتتقابل روسيا وأميركا، وفي سورية فقط آخر خزان للإرهاب الذي أدارته واشنطن عبر المنطقة والعالم خلال العقد الماضي منذ ولادة تنظيم داعش بعرض عسكريّ لافت عبر الحدود التركية السورية. وإذا كان السؤال عن موعد استقرار المنطقة فالجواب الطبيعي هو عندما تستقر سورية، أي عندما يتم التوصل إلى حلول بين المشاريع المتضاربة والمتقاتلة فوق أرضها، أو ينتصر أحدها على الآخر. وإذا كان السؤال عن نهاية واحدة من حروب المنطقة دون سواها، فالجواب كيف يمكن أن تنتهي حرب يملك أحد أطرافها قدرة تأثير وربما تفجير في سورية قبل أن يختبر سقف ما يستطيع فعله عبر هذا الوجود؟ وهذا يصح في المواجهة التركية الكردية وفي المواجهة الروسية الأميركية والإيرانية الأميركية، والمنازلة بين قوى المقاومة وكيان الاحتلال وبين محور المقاومة والاحتلال الأميركي.
– الدولة السورية ليست ساحة صراعات، كما قد يتراءى للبعض، فهي شريك واضح منخرط في الصراع الى جانب قوى المقاومة وروسيا وإيران، في مواجهة الاحتلال الأميركي والإسرائيلي، وهي ترفض الاحتلال التركيّ والانفصال الكرديّ، وتقاتل الإرهاب ومشغّليه كما قاتلتهم على مر سنين مضت، لكن سورية كما فعلت في السنوات الماضية تختار توقيت معاركها، وقد تحمّلت بين عامي 2011 و2016 الكثير من التضحيات حتى بدأت هجومها الاستراتيجي من حلب وتدحرجت منه الانتصارات شرقاً وجنوباً واستعادت أكثر من نصف الجغرافيا السورية إلى سيادتها، ويبدو من مؤشرات التصعيد التي تتجمّع أمامنا أن جولة مقبلة حاسمة تستعدّ لها سورية، حيث مصير الاحتلال الأميركي ومشروع الانفصال الكردي ومصير الاحتلال التركي ومستقبل الجماعات الإرهابية، ومصير الحملة العسكرية الإسرائيلية الجارية تحت عنوان معركة بين حروب، كبديل عن الحرب التي لا تجرؤ “إسرائيل” على خوضها؟
– قبل أربعين يوماً عقدت قمة روسية سورية، خرج الرئيس الروسي في ختامها، كما يبدو بعد أن تقرّر الكشف عن عقد قمّة كان مقرراً عدم الإعلان عنها، وقال أمام الإعلام، يبدو أن المنطقة ذاهبة الى جولة من التصعيد وأن سورية لن تكون خارج هذا السياق. ومنذ ذلك اليوم في 25 تموز الماضي ونحن في قلب أكبر موجات التصعيد التي شهدت اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية، والقائد الكبير في المقاومة فؤاد شكر، وانتهاك خط أحمر سياديّ في إيران ولبنان باستهداف أمن العاصمتين طهران وبيروت. ثم ردّ حزب الله باستهداف أمن تل أبيب عاصمة الكيان وإحدى أكبر مؤسساته الأمنية والاستراتيجية الوحدة 8200، وتعقيد مسار التفاوض حول غزة مع ظهور عجز الاحتلال عن تحقيق تفوّق عسكري يمنحه فرصة فرض شروطه، ومحاولة أميركية لإنعاش مفاوضات الانسحاب من العراق دون ذكر مستقبل احتلال شرق سورية، وهروب إسرائيلي من الحديث عن حرب على لبنان مع بدء الموسم الدراسيّ والفشل في إعادة المستوطنين المهجرين والحديث عن التزام بتغيير الوضع دون النطق بمفردة الحرب، وجمود المفاوضات السورية التركية برعاية روسية بعد إشاعات عن تفاؤل بقرب المصالحة، وفشل إسرائيلي في الحملة على الضفة الغربية أعلنته التظاهرة العسكرية الضخمة للمقاومة في مخيم جنين، ومؤشرات نهوض في ساحات عربيّة كانت خامدة، كالأردن وربّما مصر، بما يخلق تهديدات جديدة ونوعيّة لمنظومة الأمن الإسرائيلي.
– كل ذلك يطرح السؤال حول ما إذا كانت جولة الحرب الجديدة الفاصلة تتهيّأ لتكون جولة حرب سورية، تُحسم خلالها اتجاهات حرب فلسطين، ويُحدّد خلالها مستقبل الاحتلال الأميركي في سورية والعراق بعد المماطلة والمناورة، ويرسم معها مستقبل العلاقة التركية السورية، ومصير الكانتون الكرديّ وبالتالي وحدة سورية وسيادتها، ذلك أن التصعيد الإسرائيلي الكبير هذه الأيام يبدو حرباً بديلة عن استعصاء الحروب الأخرى، والمناورة الأميركيّة حول احتلال سورية تبدو مناورة بديلة عن فشل المناورات الأخرى، بينما الدولة السورية تبدو في حال استعداد لمرحلة جديدة فاصلة في ملفات كثيرة، ويبدو صمود سورية وعناصر قوّتها مسؤوليّة كل محور المقاومة، كما هو أيضاً مسؤولية الحلفاء في روسيا والصين، فكما كانت معارك سورية السابقة معارك الجميع، تبدو المعركة المقبلة فاصلة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى