انتخاب رئيس جديد لا يتمّ إلا بالتوافق والتحاور
عمر عبد القادر غندور*
لم تنل الإخفاقات الفرنسية السابقة من عزيمة الفرنسيين الراغبين حقاً في مساعدة لبنان ابتداء من انتخاب رئيس للجمهورية.
وتقول التسريبات انّ المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لو لورديان وخلال زيارته الأخيرة إلى لبنان في أيار الماضي اجتمع الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي نصحه باستثمار علاقاته الجيدة بأصدقائه السعوديين والطلب منهم المساعدة في تهيئة الأجواء المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية وفق صيغة تحاورية تبدأ بالحوار.
وعندما وصل لودريان الى الرياض ظنّ السعوديون انّ الموفد الفرنسي يحمل جديداً يساعد على اختراق الأزمة اللبنانية المستعصية، وتبيّن لهم انّ الزائر الفرنسي لا يحمل ايّ جديد، بينما لا تبدو الولايات المتحدة في عجلة من أمرها وأمر لبنان، وانّ أقصى اهتماماتها اليوم تنصبّ على عودة المستوطنين الصهاينة الى شمال فلسطين ونقطة على السطر.
ولا يبدي سفراء اللجنة الخماسية «أيّ اهتمام» يشير الى أيّ تقدّم في هذا الخصوص، بينما الداخل اللبناني يواصل مناظراته واتصالاته وكأنّ «الطبخة» باتت جاهزة رغم موقف حزب «القوات اللبنانية» المتمسك بالذهاب الى جلسة انتخاب رئيس للجمهورية قبل البحث في أيّ أمور أخرى، وكلّ المعطيات تشير الى انّ ما أشيع من مناخات تفاؤلية غير صحيح.
ويقول أحد السياسيين المخضرمين انّ كلّ المحاولات التي تقوم بها اللجنة الخماسية ستكون بلا جدوى طالما انه لا حوار ولا قرار جدياً محلياً ولا دولياً لانتخاب رئيس للجمهورية في المدى المنظور ومتى وُجد هذا القرار ستتمّ بلجنة خماسية او بدونها، قبل توقف الحرب على غزة، أو بعد انتهائها…
وتقول الوقائع على الأرض: لا يملك ايّ من الفريقين القدرة على انتخاب رئيس من دون التوافق والتفاهم والتحاور مع الآخر، مهما كان حجم هذا الأخير، والدستور ينص على ضرورة أن ينال الرئيس المنتخب ثلثي أصوات النواب في الدورة الأولى والأكثرية العادية في الدورات التالية ودائماً بحضور ثلثي أعضاء مجلس النواب.
ما يحصل اليوم ليس بجديد، بل هو الفراغ الخامس منذ الاستقلال عام 1943، وقد حصل الفراغ الأول في 18 أيلول 1952، وكان الأقصر بعد استقالة الرئيس بشارة الخوري، والفراغ الثاني مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل والذي امتدّ من 23 أيلول 1988 إلى 5 تشرين الثاني 1989، والفراغ الثالث امتدّ من انتهاء ولاية الرئيس العماد إميل لحود في 23 تشرين الثاني 2007 حتى انتخاب الرئيس العماد ميشال سليمان في 25 أيار 2008. والفراغ الرابع امتدّ نحو سنتين وسبعة أشهر بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان في 25 أيار 2014 حتى انتخاب الرئيس العماد ميشال عون في 31 تشرين الأول 2016.
والمرة الخامسة بدأت مع انتهاء ولاية العماد ميشال عون في آخر شهر تشرين الأول 2022، وهو فراغ لا يزال مستمراً إلى اليوم.
لذلك على الجميع ان يدرك استناداً إلى التجارب السايقة أنّ السبيل الى انتخاب رئيس جديد هو الحوار، هذا ما كان يحصل في الماضي، وهذا ما يجب أن يحصل اليوم من خلال تلبية دعوة الرئيس نبيه بري.
وللعبرة منذ العام 1920 أبرم اللبنانيون جملة تسويات بدأت بميثاق 1943 الذي وزع السلطات بين الطوائف، ومع انطلاق المقاومة الفلسطينية وقعت صدامات بين الجيش والفلسطينيين انتهت بـ «اتفاق القاهرة»، وفي العام 2006 أطلق الرئيس جلسات الحوار التي أدّت يومها إلى نوع من التفاهم بين فريقي 8 و 14 آذار. ثم حين بلغت التوترات مداها عام 2008 وأعادت الى الأذهان الحرب الاهلية ولم تنته أحداث ٧ أيار و 11 أيار إلا بتسوية الدوحة التي دخلت على خطها فرنسا إضافة إلى بعض الدول العربية.
ومنذ ذلك الوقت حكمت التوترات هذه المرحلة التي شهدت إعادة توزيع الحصص والمواقع وهو ما زلنا نعاني منه إلى اليوم، ولم يجد الكثير من اللبنانيين حلاً إلا بالهجرة خاصة مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية وضياع جنى أعمار الناس في زواريب السياسة ودهاليز المصارف اللبنانية، وهذا ما نأمل أن تكشفه التحقيقات مع الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، رغم أنّ بعض المؤشرات تضع علامات استفهام كبيرة حول هذا الأمر، لكن لن نستبق الوقائع وسننتظر ماذا ستحمل لنا وللبنانيين الأيام المقبلة…
*رئيس اللقاء الإسلامي الوحدوي