أولى

قرار نتنياهو: حرب حتى النهاية!

د. عدنان منصور*

في الوقت الذي يعمل فيه الوسطاء الغربيون والعرب على التوصل الى تبادل الأسرى بين “إسرائيل” وحماس ووقف إطلاق النار، نجد نتنياهو غير عابئ بالمفاوضات، ولا بوقف الحرب، بل يندفع أكثر فأكثر، في ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين، وانتهاج سياسة التدمير الشامل لقطاع غزة والضفة الغربية، وإنْ أدّى ذلك الى مقتل الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، لأنّ قتلهم سينزع ورقتهم منها، مما يجعله يتشدّد في ما بعد حيال ملف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
ما يفعله مجرم الحرب في الوقت الحاضر، تاريخ يتكرّر في الشكل والأساس، لما فعله الصهاينة، ومنظماتهم الإرهابية قبيل وبعد قيام “إسرائيل”. ما يقوم به نتنياهو اليوم، سبق أن فعله مناحيم بيغين زعيم منظمة الأرغون الإرهابية، الذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء الكيان، وحاملاً لجائزة نويل للسلام!
هو بيغين الذي وجّه كلامه لـ “الإسرائيليين” قائلاً: “أنتم الإسرائيليون، يجب أن لا تبدوا تسامحاً، ويجب أن لا تشعروا بأيّ شفقة، طالما لم نقض تماماً على ما يسمّى بالثقافة العربية. إنّ قوة التقدّم في تاريخ العالم هي للسيف. إذن نحن نحارب، إذن نحن نكون”.
بيغين كان مّصراً قبل إنشاء كيان الاحتلال، على ارتكاب المجازر ضدّ المدن والقرى الفلسطينية، ومنها دير ياسين، وعين الزيتون، حيث اعتبر “أنّ هذه المجزرة لم تكن مبررة فقط، بل وبدون النصر فيها، لما كانت هناك دولة إسرائيل”. صحيفة هامشكيف Hamashkif، الناطقة باسم المنظمة الإرهابية “شتيرن”، ذكرت أنّ خطط المذابح التي نفذتها المنظمة عرضت على القيادة العسكرية اليهودية، وحظيت بموافقتها.
النهج الذي يتبعه مجرم الحرب في غزة والضفة هو النهج ذاته الذي سلكته الحكومة الإسرائيلية عامي 1948 و1949. إذ أعطت الأوامر للقادة العسكريين بأن يقوموا بعمليات تطهير عرقي واسعة النطاق في العديد من المدن والقرى الفلسطينية. هكذا تولّى اسحق رابين “تطهير” مدينة اللد والرملة، وتولى موشي كلمان Moshe Kalman “تطهير” مدينة صفد، وموشي كارملCarmel منطقة الجليل، وشيمون أفيدان Avidan “تطهير” عشر مدن وقرى فلسطينية.
لم يتردّد أحد القادة العسكريين إسحق بونداك
Yitzhak Pundak من القول لصحيفة ه”آرتس الإسرائيلية” عام 2004، إنه كانت هناك 200 قرية على الجبهة، ولم يعد يوجد شيء منها. فقد كان علينا تدميرها، وإلا لكان هناك مليون عربي إضافي في النقب مثل ما هو موجود حالياً في منطقة الجليل.
إنّ تعمّد الجيش “الإسرائيلي” تدمير المدن والبلدات الفلسطينية، غايته منع عودة النازحين إليها مرة أخرى. وهذا ما يريد ان يفعله نتنياهو بغزة والضفة الغربية، حيث عين القادة العسكريين الإسرائيليين على الضفة منذ عام 1948، منهم موشي ديان الذي كان يراوده حلم احتلال الضفة الغربية في ذلك الوقت، حيث طرح اقتراحاً على الحكومة بهذا الشأن ورُفض بفارق صوت واحد. هذا الرفض اعتبره بن غوريون فرصة كبيرة جرى تفويتها خلال حرب 1948.
ما لم تحققه “إسرائيل” عام 1948 للاستيلاء على غزة والضفة الغربية لأسباب سياسية وديموغرافية وأمنية، يريد مجرم الحرب تحقيقه اليوم بكلّ الوسائل، مستفيداً من الدعم الغربي، وتواطؤ وتآمر دول عربية تريد التخلص من المقاومة في فلسطين والجوار، وهي التي لم تفك الارتباط والتعاون مع “إسرائيل” منذ قيامها وحتى اليوم.
ما أشبه خطة نتنياهو وقيادته العسكرية بخطة بن غوريون “ج”، قبيل قيام الكيان، إذ تضمّنت الخطة:
1 ـ قتل الزعماء الفلسطينيين.
2 ـ قتل كلّ الناشطين الفلسطينيين، وكلّ الذين يقدّمون الدعم المالي للناشطين الفلسطينيين المناهضين لليهود.
3 ـ قتل الموظفين والرسميين الفلسطينيين الذين هم في مواقع حساسة في إدارة الدولة المنتدبة.
4 ـ إلحاق الأضرار وتدمير آبار المياه والطواحين والأندية والمقاهي الفلسطينية وغيرها.
نتنياهو يسلك اليوم السلوك الإرهابي ذاته في غزة والضفة الغربية، يستهلك الوقت، وهو يقوم بهدم القطاع والضفة شيئاً فشيئاً.
لا يعوّل المقاومون في فلسطين على المفاوضات. لو أراد حلاً لأخذ نتنياهو بالاتفاق، وحافظ على الأسرى “الإسرئيليين”، لكنه يريد ما هو أبعد من الأسرى، غزة والضفة لتحقيق الحلم الذي لم يحققه بن غوريون، ومناحيم بيغين، واسحق رابين، وموشي ديان وغيرهم من مجرمي الحرب.
لقد اختزن نتنياهو في داخله تاريخ الإرهاب “الإسرائيلي” كله، مجسّداً كلّ الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.
ولم يعد باستطاعته العودة إلى الوراء، وهو الغارق في رمال غزة والضفة، يبحث عن نصر وهميّ، مهما كانت تكلفته باهظة، وإنْ كان في حدّه الأدنى، ليبعد انهيار بنية الكيان المؤقت بالكامل.
لا حلّ في الأفق، فتصعيد نتنياهو للحرب متواصل، ولن يتوقف قبل الاستحقاق الرئاسي الأميركي على الأقلّ، حيث يرى في الانتخابات الأميركية فرصة سانحة له ليتمادى في عملية تطهير غزة، وارتكاب المزيد من المجازر بحق شعبها.
إنّها الحرب التي سينتصر فيها صاحب الإرادة الأقوى. وهل هناك في العالم كله مَن يستطيع عند الاستحقاق، كسر إرادة المقاوم العربي؟!
سلوا روح الشهيد ماهر الجازي، وستجيبكم…!

*وزير الخارجية والمغتربين الأسبق

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى