نقاط على الحروف

25 آب اليوم الذي سوف يسجله التاريخ

ناصر قنديل

– في 25 آب فجراً وبعد نصف ساعة على غارات شنتها 200 طائرة لجيش الاحتلال على أهداف للمقاومة في جنوب لبنان، أطلق حزب الله 340 صاروخاً على مستوطنات ومواقع جيش الاحتلال شمال فلسطين المحتلة حتى عمق تجاوز الـ 20 كلم، وعشرات الطائرات المسيّرة نحو عمق الكيان والعاصمة تل أبيب مستهدفاً الضاحية الشمالية لعاصمة الكيان ومؤسسة أمنية استراتيجية تمثل عقل الكيان وكبده الأمني هي الوحدة 8200، تبين لاحقاً أن ست طائرات منها وصلت إلى الهدف وإصابته إصابة بالغة وألحقت به خسائر بشرية ومادية. ثم جاءت المعلومات المفصلة تؤكد مقتل 22 وإصابة 74 بجراح جراء العملية، وما احتاجه مَن هم خارج الكيان ومؤسساته لمعرفة ما جرى عرفه قادة الكيان ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية عند السادسة صباح ذلك اليوم عندما انفجرت الطائرات المسيّرة بمباني الوحدة 8200، وبين الساعة السادسة صباحاً والساعة الثانية عشرة ظهراً كان على طاولة القرار عدد من السيناريوات، بحيث إن اختيار واحد منها يشكل مفصلاً استراتيجياً في تاريخ الكيان وحروبه مع المقاومة.
– كانت القوات البرية لجيش الاحتلال مستنفرة بأعلى درجات الجهوزية منذ تنفيذ عملية اغتيال القائد في المقاومة فؤاد شكر عبر غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت، تحسباً لتداعيات رد حزب الله، وكان سلاح الجو ومثله البحرية الإسرائيلية في حال استنفار تام، والطائرات عادت للتوّ من تنفيذ غارات وصفها رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بالضربة الاستباقية لتدمير صواريخ استراتيجية قال إنها بالآلاف وإنها كانت موجهة نحو تل أبيب، وهذا يعني أن كل الشروط اللوجستية والنفسية والسياسية لاتخاذ قرار شن الحرب على حزب الله وعبره على لبنان كانت متوافرة وينقصها القرار، وكانت مسودة القرار أحد السيناريوات الموجودة على الطاولة.
– الطبيعي أن التشاور شمل جميع المعنيين السياسيين والعسكريين والأمنيين، وشمل واشنطن وتل أبيب معاً لتقدير موقف مشترك، وبعد مرور ست ساعات على الضربة التي أصابت الوحدة 8200 خرجت مواقف كل قادة الكيان تعزف لحناً واحداً، لا نريد الحرب ولا نريد التصعيد، وإذا تراءى للبعض في حينها أن الأمر له علاقة بالثقة لدى قادة الكيان بأن ضربة حزب الله قد فشلت وأن الضربة الاستباقية قد حققت للكيان ما يريد من ردع حزب الله، فإن الأيام التي تلت هذا اليوم كشفت أن الضربة نجحت نجاحاً استثنائياً، وأن الضربة الاستباقية لم تستبق شيئاً، عدا عن كونها خبراً إعلامياً مليئاً بالمبالغات غير القابلة للتصديق، مثل عدد الصواريخ ونوعيتها ووجهتها نحو تل أبيب. وقالت أحداث اليوم نفسه وما تلاها إن حزب الله لم يتصرف كطرف مردوع وقد واصل بحيوية وقوة عملياته على عمق جبهة الشمال، ما يعني أن الكلام عن عدم الرغبة بالحرب كان نتاج تقدير موقف هادئ ومحسوب اتخذ بالتشاور بين واشنطن وتل أبيب، وداخل تل أبيب بالتشاور بين القيادتين السياسية والعسكرية، وكانت الحصيلة صرف النظر عن خيار الحرب.
– الواضح أن قيادة الكيان التي تلقت ضربة قاسية على رأسها أصيبت بدوار وصداع وذعر دفعها لكلام يوحي بالضعف رغبة بتفادي المزيد، بعدما قال حزب الله في بيانه إنه نفذ رداً أولياً على اغتيال القيادي فؤاد شكر. وجاءت التصريحات عرضاً للمقايضة بوقف الدفعة الثانية من الرد مقابل إعلان صرف النظر عن الحرب. وخرج وزير الحرب يوآف غالانت الذي شكل على مدى شهور مضت رمز الدعوة للحرب وصاحب معادلة إعادة لبنان الى العصر الحجري وإبعاد حزب الله الى ما وراء الليطاني، ليقول هذه المرة إن الحرب على حزب الله ليست الآن، بل في المستقبل البعيد، وخلال أيام اكتشف قادة الكيان أنهم بحاجة لعدم إفراغ ايديهم من خطاب الحرب لأن أمامهم معضلة مستعصية هي مهجّرو مستوطنات الشمال، وقد وعدوا بالعودة وفتح المدارس في أول أيلول، فولد حديث هجين ليست فيه مفردة الحرب، ولا العودة للعصر الحجري ولا إجبار حزب الله على العودة إلى ما وراء الليطاني، بل مفردات من نوع لن نتأقلم مع وضع الشمال وسنغير الوضع على الحدود، وسوف نلاحق قادة حزب الله وعناصره، وسوف نواصل العمليات التي تردع حزب الله وما شابه، لنشهد فجأة أن التصعيد المُراد به تغيير الوضع في الشمال يترجم بنشر معلومات هوليودية عن عملية نصفها واقع ونصفها من صنع الخيال في مصياف السورية.
– قبل أن تنشر المعلومات التي تفرّدت بها قناة الميادين وتؤكدها المقاومة، كان واضحاً في السياسة أن ما يجري هو نتاج ثمرات لا نعلم تفاصيلها تركتها ضربة حزب الله، أما وقد كشف النقاب عن هذه المعلومات فقد صار كل شيء مفسراً، مهما علت صيحات الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى