مرحلة جديدة من الانتظار المرعب!
رنا جهاد العفيف
بما يمثل أول ردّ على مجزرتي الثلاثاء والأربعاء، عطّل السيد حسن نصر الله أهداف العدوان «الإسرائيلي» على لبنان. أيّ ورقة قوة تستحوذ عليها المقاومة في خضمّ الرسائل التي أطلقها حزب الله للعدو وما دلالات الأسلوب الجديد في إعلان الردّ؟
في حقيقة الأمر هناك الكثير من النقاط التي طرحها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأول ردّ لافت للأنظار في البعد الاستراتيجي الاستثنائي القريب والبعيد هو إحباط الأهداف الخاصة المرتبطة بالأهداف العامة، لا سيما مسار الأهداف شيء هامّ وله وقائع سردية في البعدين السياسي والأمني تتجه نحو الضربة الإلكترونية والعدوان الالكتروني على لبنان بشكل غير مسبوق في تاريخ المقاومة والصراع، إذ كان يستهدف قتل ما لا يقلّ عن خمسة آلاف شخص في دقيقتين، كما أنّ جبهة إسناد غزة لن تتوقف ولا مستوطني الشمال سيعودون، لا بتصعيد عسكري ولا بحرب شاملة ولا غيرها،
وانطلاقاً من الأهداف التي تمّ إحباطها والتي تجعلنا نستوقف أهمية الخطاب حرفياً والتمعّن بالهدف الاستراتيجي الكامن وراء جريمة العدو من خلال إعلان حزب الله عن إحباط هذا الهدف العريض وربطه بحزمة الرسائل التي وصلت بعد الضربة، أيّ ما بين الضربة وتوقيت العرض كان هناك مفاوضات تنقل عبر الدولة اللبنانية وعندما جاء الرفض من قبل حزب الله تمّت الضربة الثانية والتي تتجسّد بالمعنى الآتي باللغة الشائعة… «فكوا ارتباطكم بغزة وابتعدوا عن فلسطين تنتهي كلّ هذه الأمور»، وبالتالي الإعلان عن إحباط الهدف مقابل استمرار معركة الإسناد ودكّ معاقل العدو بنطاق واسع نارياً وهي فعلياً رسائل بالنار تترجم فعل العمل المقاوم وفعل المقاومة وقدراتها المتجسّدة ببنية الجسم المقاوم الذي حاول الاحتلال ضربه وفشل بذلك، بل كان المشهد معاكساً لما أراد، وعابراً للجغرافيا، الأمر الذي أدخل الاحتلال في مزاريب الانتظار والاستنزاف تحت عنوان لا فصل بين الساحات وما يجري على الساحة هو استكمال لمسار المعركة.
أيضاً في كلام السيد نصر الله بعد استراتيجي على مستوى التحدي وليس المجاراة، وقد أيده الحرس الثوري الإيراني وفصائل المقاومة الفلسطينية بعد انتهاء كلمته يصبّ في نفس السياق والموقف بعدة رسائل على الإسرائيلي قرأتها بشكل جيد لما تحمل من دلالات سياسية وعسكرية، وهذا دليل إيماني راسخ بالمطلق على ما تملكه المقاومة من صلابة بخياراتها وقراراتها لا يستثنيها عزم ولن ينال العدو من عزيمتها فكانت عملية الإحباط واضحة في تقدير منطق السيد بعدم مسّ بيئة المقاومة عبر هذة الضربة التي اعترف السيد بألمها وبقسوتها فكان لهذا الاعتراف ضرورة سردية استثنائية تحاكي معايير الشفافية والوضوح بالنسبة للمقاومة، وبالتالي كانت رسالة الطمأنة على جهوزية المقاومة تفصيلية بالعناصر وغنية بالمواقع ليتصدى لهذا الاحتلال الغاشم بالنطاق الناري على أرض الميدان ولن تهدأ جبهة الشمال وحمم نارية تدك مستوطنات العدو وتكبّدهم خسائر فادحة ما زال العدو يتكتم عليها.
ومن بين النقاط اللافتة هو ذاك الأسلوب الجديد في الإعلان عن الردّ، إذ قال السيد انّ الحساب سيكون عسيراً، وأشار إلى أنّ هذه المرة سترون الفعل قبل أن تسمعوا عنه، وشدّد على أنّ المقاومة ستحتفظ بهذا الحق في أضيق دائرة.
بالطبع هذا الأسلوب في الغموض هو بحجم وقع الجريمة التي حصلت إذ يماثل أسلوب العدو ولكن هذه المرة سيكون هناك تكتيك يتعمّد اللغة الغامضة بسرية تامة وكأنه يخاطب الاحتلال الإسرائيلي، ولكن للتوضيح هنا يخاطب كيّ الوعي وليس وعيه، سيما أنّ هناك مقاربة استراتيجية تجمع بين الخطاب والبيان الذي أصدرته المقاومة الإسلامية، ما يشي بأن لهذا الربط دليل إضافي تتعاطى معه المقاومة ضمن أطر الأدبيات الاستراتيجية التي تقول هناك درس جديد للعدو وقد اتخذ القرار به وعليه سيكون الردّ من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، أيّ سيكون هناك ردّ لا يتوقعه العدو في خضمّ الحسابات الإستباقية رداً على ما قام به العدو وقد يكون يشمل الحساب النوايا لطالما كانت هناك نوايا قتل خمسة آلاف شخص، ولهذا الأمر أهمية موضوعية لها حسابات عند حزب الله الذي وضع معادلته الاستراتيجية وقد تكون عابرة للقارات وللجغرافيا في العمق.