الصمت الإيراني إلى متى؟!
ماجدي البسيوني
هل تُقحم إيران في العديد من المقالات والتقارير والأخبار الصحافية المتناثرة هنا في الصحافة المصرية باعتبارها شريكاً متحالفاً ومتضامناً مع ما يقوم به «الإخوان» ومن يقف خلفهم من عمليات إرهابية داخل الحدود المصرية؟
أم أن هذه المقالات والتقارير والأخبار تتحدث عن معلومات مؤكدة ووقائع لا ينال منها الباطل؟
متابع المقالات والتقارير يفشل فى الحصول على واقعة مسندة لكنه يجد نفسه أمام كلام مرسل غير مؤصل، وسيكتشف بلا أدنى جهد أن المعلومات إمّا هي منقولة حرفياً من مواقع، أو من صحف سعودية في الأساس وبطريقة لا تمت إلى الفهم السياسي لمجريات العلاقات بين الدول والأنظمة بصلة، فعلى سبيل المثال ورد في صحيفة «العرب اللندنية» المعروفة بانتمائها السعودي هذا الخبر: «كشفت مصادر أمنية أن السلطات المصرية تملك أدلة على وجود دور تخريبي في سيناء لكلّ من قطر وإيران والإخوان، وأن ذلك يتم تحت أعين المسؤولين الأميركيين، مؤكدة أن قيادات للتنظيمات المتشددة، ممن تم اعتقالهم كشفوا أن سيناء تحوّلت إلى بؤرة للتآمر على استقرار مصر، وأن ذلك يتم فى سياق خطة ثلاثية يتم تنفيذها بواسطة حماس التي تحتضن المسلحين الفارين من مصر، وتتولى تدريبهم وتتلقى أموالا وأسلحة للقيام بهذه المهمة». وأشارت المصادر في تصريح لصحيفة «العرب اللندنية» إلى وجود شبكات مالية وتسليحية، ولقاءات سرية بين الأطراف المعنية في أكثر من مدينة لبلورة الخطة، كاشفة أيضاً أن هناك 36 ضابطاً من قوات الحرس الثوري الإيراني موجودون على الحدود بين مصر وغزة، ويتسربون بحسب الضرورة داخل سيناء من خلال الأنفاق. وأوضحت أن الإيرانيين الموجودين في غزة، خبراء في صناعة المفرقعات والمواد المتفجرة، وأنهم يعملون على إمداد الجماعات التكفيرية المسلحة في سيناء، بكل ما تحتاج إليه. وتنهي الجريدة اللندنية المموّلة سعودياً على هذا النحو: «وقال مراقبون إن هذه الحقائق تؤكد طبيعة تنظيم الإخوان واندراجه في خدمة أجندات أجنبية تبدو في الظاهر متناقضة». أما حول مصلحة إيران في دعم الإرهابيين في سيناء، فتزعم الصحيفة أن طهران تسعى إلى تهديد «إسرائيل» كورقة ضغط ضد أميركا في مفاوضاتها معها، وأن استمرار الوضع بسيناء ذو تأثير في الوضع السوري، ويخفف الضغوط عن الرئيس بشار الأسد.
«العرب» اللندنية تخصصت على ما يبدو في نشر أخبار وتقارير كهذه تزج باسم إيران على نحو يدعو إلى السخرية، فها هي تنشر حديثاً تقريراً تحت عنوان: «إيران تمول 3 جماعات مسلحة في مصر وتسعى إلى تنفيذ هجمات إرهابية لتهريب مرسى، وفي نص «التقرير»: «إن إيران تستخدم حركة حماس للقيام بأعمال بالوكالة في قلب سيناء، في الوقت الذي تصعد فيه الحركة العمليات بغرض كسب ود إيران، وعودة التمويل من جديد، بعد مرور الفترة الماضية التي وصفت بالفتور بين الحركة وإيران». ويضيف التقرير «أن قوات الأمن ضبطت رسالة مشفرة مع عناصر حمساوية تم القبض عليها في سيناء مؤخراً، تضمنت تعليمات من قيادات حماس إلى تكفيريين فى سيناء لتنفيذ عملية أطلقوا عليها «الانتصار العظيم»، وتقوم العملية على استهداف أحد المقار العسكرية الكبرى في إحدى مدن القناة». وأوضح المصدر للصحيفة «أن الرسالة شملت أيضاً وعد قيادات حماس للجهاديين في سيناء بإرسال مسلحين من غزة، لدعمهم في استهداف قوات الجيش والشرطة، علاوة على مدهم بمبلغ مالي يقدر بحوالى 200 ألف دولار». وأشار المصدر إلى أن الرسالة تضمنت «أن قيادات حماس ستدفع عناصر إيرانية موجودة في غزة إلى سيناء خلال الأيام المقبلة، وأن هؤلاء الإيرانيين متخصصون في تصنيع العبوات الناسفة شديدة الانفجار». وأكدت مصادر سيادية أخرى للصحيفة «أن المخابرات الإيرانية تموّل وتدعم ثلاثة تنظيمات مسلحة في سيناء وهي « التوحيد والجهاد، والرايات السوداء، وكتائب الفرقان»، لافتة إلى أن هذه التنظيمات تلقت تدريبات خاصة على يد عناصر من الحرس الثوري الإيراني. وأوضحت المصادر أن هناك مخططاً إيرانياً جديداً بالتعاون مع التنظيم الدولي لـ»الإخوان» وحركة حماس، من خلال استخدام نفوذ فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني في السودان وتهريب بعض العناصر عبر درب الأربعين في الصحراء للمشاركة مع جماعة أنصار الشريعة وبيت المقدس، في تصعيد العمليات الإرهابية.
أكدت المصادر «أن هذه التنظيمات ستحاول استهداف سجن برج العرب، أملاً في تهريب الرئيس المعزول محمد مرسي، بالإضافة إلى الهجوم على عدد كبير من أقسام الشرطة وربما المتحف المصري وبرج القاهرة وبعض الأماكن الحيوية الأخرى.
الأغرب من ذلك أن بعض الصحف المصرية تنقل عن الصحيفة اللندنية هذه التقارير حرفياً وتروّجها على أنها حقائق مؤكدة سرعان ما يتم تداولها وبالتالي تنال التصديق لدى قطاعات من الجمهور.
الأغرب من ذلك كله أننا لا نجد الجانب الإيراني حاضراً في الرد على مقالات أو تقارير مماثلة، كأن الأمر لا يعنيه من قريب أو من بعيد، والموقف الإيراني الرسمي نفسه يدفع المتابع إلى أن يضرب كفاً بكف ويقف في قمة الحيرة من أمر السياسة الإيرانية حيال ما يحدث في مصر التي تعني للمخطط الإيراني الكثير.
مشاهد القنوات الناطقة بالعربية والتابعة بطريقة أو أخرى لإيران يشتم رائحة بين ثنايا التقارير أو حتى الضيوف التي تستجلبهم، مفادها أن ما يحدث الآن في مصر ربما لا يريح الإيرانيين أو ربما يترقبون القادم.
المؤكد أن إيران تشاهد عن كثب الدور السعودي في مصر منذ الساعات الأولى لعزل مرسي وإلقاء الرئيس الموقت عدلي منصور القسم، ولم يرحها بالطبع أن تكون أول برقية لتهنئة الرئيس الموقت من القصر الملكي السعودي. فهل هذا عيب وقعت فيه الإدارة الجديدة؟ أم أن العيب يكمن في صمت الدبلوماسية الإيرانية؟!
الأكيد أن ايران تعي أن الجيش المصري الذي كان على قمته المشير عبد الفتاح السيسي رفض رفضاً قاطعاً أثناء وجود «الإخوان» تلبية طلب مرسي حين دعا الجيش المصري إلى الانخراط تحت مسمى الجيش العربي للذهاب والقتال في سورية. إلا يعطي هذا للغيرانيين مساحة من الإسراع بخطوات واثقة نحو مصر الجديدة؟!
ألم يحرض مرسي وجماعة «الإخوان» ما يزيد على ثلاثة آلاف عنصر للذهاب إلى سورية التي تعني لإيران مثلما تعني لنا أيضاً سويداء القلب؟ ألم يكن هؤلاء ـ المرتزقة ـ في مواجهة الجيش السوري، وكذا جنود حزب الله بما لهما لدى الايراني من تحالفات كونها حرباً كونية تريد أيضاً النيل من إيران.
مثلي لا يلتفت إلى أيّ تبريرات تأتيه مفادها كيف لإيران أن تقف ضد رغبة من يرفع شعار الإسلام والإسلام منه براء؟ فهم أنفسهم الذين يرفعون شعار الإسلام شقوا الصدور وأكلوا أكباد البشر وحطموا مقامات أهل البيت وتحالفوا مع الشيطان الأكبر وكانوا أداة طيعة في أيادي العدو الصهيوني ومخططاته.
لا فرق على أرض الواقع ما بين الوهابية التي تمقتها إيران كما نمقتها نحن القوميون الناصريون، وبين «الخوان» الذين يدمرون الأخضر واليابس ويذبحون البشر على الهوية، فهل «الخوان» في سورية مغضوب عليهم من إيران و»الخوان» في مصر مرضي عنهم؟! هكذا يردد أهل المحروسة «شيعيو الهوى ومحبو أهل البيت» عن استحقاق، وهذا ما أكد عليه الوفد الشعبي المصري الذي طار منذ عدة أشهر إلى طهران لتوضيح حقيقة ما يحدث في مصر، فهل تحركت الدبلوماسية الإيرانية حتى الآن؟ لا أعتقد.
الأمر يحتاج إلى ضبط الإيقاع، والظرف التاريخي اليوم سواء في مصر أو في إيران، خاصة مع انكشاف الدور التركي أردوغان في المنطقة، فالإرادة المستقلة دفعت القيادة الجديدة في مصر إلى مدّ يدها إلى روسيا بعد غياب طال، وليس معنى ذلك أنها ستقطع العلاقات كافة بواشنطن التي ظلت متربعة طيلة العقود الأربعة السابقة، وهذا نفسه ما تقوم به إيران راهناً، فليس معنى المباحثات الإيرانية ـ الأميركية الدائرة اليوم أن إيران ستدير قبلتها، بل هي الإرادة المستقلة. هذه الاستقلالية تستوجب على إيران قراءة المزاج الشعبي المصري وتعيد ما انقطع، ليس حباً في سواد عيون مصر، بل لترسيخ قيم استقلالية في عالم انكشفت وتعرّت فيه القطبية المبنية على الخنوع.