نحو اعتماد ثالوث المقاومة والمقاطعة والملاحقة
د. عصام نعمان*
الحرب كرّ وفرّ. يوم لك ويوم عليك. خلال 72 ساعة تمكّنت “إسرائيل” من مفاجأتنا بثلاثة أيام علينا. اليوم الأول كان الثلاثاء الماضي. خلاله شنّت “إسرائيل” هجوماً سيبرانياً واسعاً استهدف عشوائياً الآف المقاتلين في المقاومة من حمَلَة جهاز النداء (بايجر Pager) والى جانبهم عدد مماثل وربما أكبر من المدنيين الذين صُودف وجودهم في محيط حمَلَة أجهزة النداء أينما كانوا. اليوم الثاني كان الأربعاء الماضي، خلاله استهدفت “إسرائيل” سيبرانياً وعشوائياً آلافاً من حمَلة أجهزة لاسلكية، مقاتلين ومدنيين، في مختلف المناطق. اليوم الثالث كان الجمعة الماضي. خلاله استهدفت طائرات “إسرائيل” الحربية بتركيزٍ ملحوظ مبنيَين في ضاحية بيروت الجنوبية كان يُعقد في أحدهما اجتماع لقياديّين من قوة الرضوان ما تسبّب باستشهاد قائد القوة المجاهد الكبير إبراهيم عقيل مع كوكبة من رفاقه.
الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اعترف بهدوء ورصانة كعادته بقوة الضربة في اليومين الأول والثاني، لكنه أكّد أنها لم ولن تُسقط المقاومة، وتوعّد العدو الصهيوني “بحساب عسير وقصاص عادل من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، فالخبر هو في ما سترون لا في ما ستسمعون”. لكنه لم يعلّق حتى كتابة هذه السطور على حَدَث اليوم الثالث، لعله ترك للميدان فرصة الحديث نيابةً عنه.
من مجمل ما أعلنه قائد المقاومة في لبنان ومما يتبدّى في مشهديّة الصراع بكلّ أبعاده المحلية والعربية والإقليمية، يمكن استخلاص الواقعات والتوجّهات الآتية:
أولاً: لا تراجع في عمليات جبهة الإسناد اللبنانية نصرةً للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بل ثمّة توسيع لرقعتها ومفاعيلها بحيث تشمل المزيد من مستعمرات العدو وقواعده العسكرية في عمق الشمال الفلسطيني المحتلّ، كما في الجولان السوري المحتلّ.
ثانياً: ثمة تصميم على متابعة حملة تحقيق واسعة لوقائع وملابسات وأدوات وبرمجيات الهجوم السيبراني والآخر العسكري تتناول أجهزة النداء السيبراني Pager، مصدراً وتصنيعاً وتفخيخاً ونقلاً وتسويقاً. كلّ ذلك بقصد الإحاطة بدقائق التصنيع والتفخيخ وتوقيت التفجير، واستخلاص النتائج ليُصار في ضوئها إلى وضع خطة متكاملة لمراقبة الأجهزة السبيرانية وحماية مستعمليها.
ثالثاً: عدم الانجراف في عاصفة ردود الفعل الغاضبة والداعية الى استعجال الثأر من العدو وذلك بضبط النفس واعتماد الصبر الاستراتيجي بغية إعداد الردّ المناسب على العدو بالتنسيق مع سائر أطراف محور المقاومة.
رابعاً: الاستمرار في تكثيف عمليات المقاومة المنطلقة من جبهة الإسناد اللبنانية الى حين تسليم العدو بوقف حرب الإبادة في قطاع غزة والضفة الغربية.
خامساً: الأخذ في الحسبان دائماً أنّ قوى المقاومة والحركات النهضوية العربية تقاتل وتواجه عدواً صهيونياً مدعوماً من الولايات المتحدة ودول الغرب الأطلسي، ويمتلك قدرات عسكرية وتقنية كبيرة ولا يلتزم في الوقت ذاته بأيّ أخلاق أو قيم إنسانية أو قوانين دولية رادعة، ولا يقيم وزناً او اعتباراً لأيّ شعب غير اليهود بما هم، بحسب اللاهوت التوراتي “شعب الله المختار” الأمر الذي يدفع قوى المقاومة اللبنانية خاصةً والعربية عامةً الى اعتماد منهجية السيد حسن نصرالله التي أعلنها مراراً وهي أنه في حال الحرب الشاملة “سنقاتل من دون ضوابط أو سقوف أو حدود”.
في ضوء هذه الواقعات والتحوّلات، كيف يمكن أن يكون ردّ المقاومة في لبنان، منفردةً او من خلال تعاونها مع مختلف أطراف محور المقاومة في الإقليم؟ متى يأتي يومٌ قريب لنا وليس علينا؟
بكثيرٍ من الاحتراس والموضوعية والتدقيق، أستشرف الردّ المنتظر في ضوء الحقائق والأسس الآتية:
*امتلاك العدو الصهيوني قدرات عسكرية وتقنية كبيرة، خصوصاً في ميدان الأمن السيبراني.
*تزايد اعتماد الدول المتقدمة، لا سيما “إسرائيل”، على التحوّل الرقميّ ما يؤدي الى تعاظم مخاطر الأمن السيبراني، وضرورة التحوّط مما تُحدثه الهجمات السيبرانية من مخاطر وخسائر.
*ثبوت مزايا الاعتماد على الصواريخ الباليستية بعيدة المدى الناقلة لحمولات ثقيلة من القنابل القادرة على تدمير أهداف استراتيجية محصّنة أو مخزّنة في باطن الجبال.
*ضرورة امتلاك دفاعات جويّة بالغة الكفاية ضدّ الطائرات الحربية والصواريخ الدقيقة بعيدة المدى والمسيّرات المتطورة القادرة على تفادي مقذوفات الدفاعات الجوية.
*ضرورة امتلاك ملاجئ وتحصينات كافية لحماية القيادات كما السكان في شتى أنحاء البلاد، ولا سيما في المدن الكبرى.
بقدْر ما تمتلك قوى المقاومة العربية من المزايا والقدرات سالفة الذكر، أرى أنّ الردّ الأفعل للمقاومة والتوقيت الأمثل الذي تختاره، هو في أن يأتي نتيجةَ جِماع المزايا والفوائد المكتسبة من تجارب ثالوث المقاومة والمقاطعة والملاحقة:
ـ المقاومةُ بما هي توليف لمقاتلين مدرّبين، وقدرات عسكرية وتكنولوجية وسيبرانية متقدمة، ومعلومات استخبارية واسعة ودقيقة.
ـ المقاطعةُ بما هي منظومة متكاملة من مناهج ومعطيات وتطبيقات إدارية وميدانية تنفيذاً للامتناع عن شراء واستهلاك منتجات وبضائع الدول المساندة والمتحالفة مع العدو الصهيوني، على أن تعتمد أجهزة المقاطعة بالدرجة الأولى على أجيال العرب الأحياء والقوى الحيّة الحرّة في الأمة التي يستعصي على أهل السلطة الخاضعين لقوى الهيمنة الخارجية المعادية السيطرة عليها.
ـ الملاحقة القضائية المتواصلة للمسؤولين الرسميين وغير الرسميين الفاسدين والمتواطئين مع قوى الهيمنة الخارجية أمام المحاكم الوطنية، وخصوصاً أمام محكمة الجنايات الدولية.
غنيّ عن البيان أنّ انتظام عمل وفعالية أضلع هذا الثالوث المطلوب اعتماده قد يتطلّب وقتاً طويلاً، وأنّ توافر مزاياه وفعاليته قد يكون متفاوتاً. لذا من المنطقي ان تواجه قيادة المقاومة السياسية والعسكرية المحلية لأحد أطراف محور المقاومة، أو القيادة العليا لأطراف محور المقاومة جميعاً، تحدياً خطيراً ماثلاً أو ظرفاً يمور بمخاطر استثنائية فتكون مضطرة، والحالة هذه، الى التحرك سياسياً وميدانياً بسرعة ٍ لدرء الخطر وشلّ العدوان، فتقدم على ضرب العدو في عمقه الاستراتيجي، لا سيما أنّ بعض أطراف محور المقاومة يمتلك صواريخ باليستية بعدة المدى وذات قدرات تدميرية هائلة.
في مطلق الأحوال: الرأي قبل شجاعة الشجعان، هو أول وهي المحل الثاني.
*نائب ووزير سابق
[email protected]