مقالات وآراء

نهاية قواعد اشتباك وبداية مرحلة جديدة

رنا جهاد العفيف

«إسرائيل» تقوم بعمليات تصعيد غير مسبوقة، علّها تستطيع دفع حزب الله إلى التراجع عن خياراته التي تربط بشكل عضوي بين جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان، بالإضافة إلى دفعه للانسحاب من الحدود الجنوبية إلى ما وراء نهر الليطاني، فما هي الأهداف التي أسقطها حزب الله في خضمّ المعركة وهل نحن فعلياً أمام نهاية قواعد اشتباك وبداية مرحلة جديدة؟
حزب الله يقصف مقرّ قيادة الاحتلال في الجولان والخليل المحتلّين، والاحتلال الإسرائيلي يصعّد بكلّ ما أوتي من قوة لجرّ المنطقة إلى حرب شاملة تريدها الولايات المتحدة الأميركية التي تدعم خيارات نتنياهو بالمطلق والتي يبدو أنها فقدت السيطرة عليه من خلال ما تطرحه الإدارة الأميركية من خلف الكواليس بهدف وضع حزب الله أمام خيارين… إما ترك غزة أو حرب استئصالية بديلة تهدف إلى إضعاف ثقة البيئة الحاضنة بالمقاومة وتهشيم صورتها، إلا أنّ المشهدية ظهرت على عكس ما يرغب «الإسرائيلي» والأميركي، بالصورة والصوت والكلمة التي تترجم الأهداف التي أسقطها حزب الله والبيئة المساندة له من خلال النقاط الاستراتيجية، التي أثبتت قدرات حزب الله خلال اليومين الماضيين في الميدان على مستويين عسكري ميداني وسياسي مدني تماسكاً صلباً، هذا أولاً…
ثانياً: من الأهداف الإسرائيلية التي سقطت جميعها عندما التفت بيئة المقاومة حول حزب الله بعد الهجمات لتكون الرسالة واضحة المعالم بأنّ صورة المقاومة لم تهتزّ ولها ارتباط مع بيئتها متجذّر من الصعب اقتلاع جذوره الضاربة في الأرض، واللافت والأهمّ في هذا السياق هو حركات المقاومة الفلسطينية والعراقية مع اليمن وسورية وإيران التي جددت ثقتها بقدرة حزب الله على الصمود والثبات والمواجهة والانتصار، وبالتالي في المعنى التحليلي والسردي لهذه المشهدية هو قدرة حزب الله التي لم تتزعزع في البنية العسكرية الثابتة وعليه الجسم السياسي وعلى من يتابع أن يقرأ بعمق ما تفعله المقاومة الإسلامية في لبنان وبتأنٍّ لأنّ هناك من الاستنتاجات ما يسرّ خاطر جمهور المقاومة، أيّ حشر نتنياهو في زاوية صعبة ما يجعل الولايات المتحدة الداعمه له أن تفكر في مصالحها وقواعدها في المنطقة إذا أصرّ نتنياهو على جنونه الارتيابي وهذا له تداعيات على مستوى موازين القوى التي أرخت بثقلها على «الإسرائيلي» منذ السابع من أكتوبر، وبناء على هذا كانت «إسرائيل» تمركز جهودها على جبهة الشمال وما نشهده حالياً لا يرتقي إلى المواجهة المفتوحة كما يظنّ البعض، أيّ عندما تريد «إسرائيل» أن تذهب إلى حرب على غرار حرب تموز فرضاً لا تكون هذه هي البداية التي تعتمدها، بمعنى استراتيجي أدقّ الكيان «الإسرائيلي» فصل الحرب على مقاسه ولكن بالشكل والأسلوب الذي يريده وبطرق جديدة ملتوية وفقاً لظروفه، ولكن ما حصل هو أنه استدعى نقاط القوة القابعة خلف نقاط الضعف التي لا تسمح له بدخول لبنان براً، والهدف من هذا هو عودة النازحين وأهداف أخرى مرتبطة بالأهداف الخاصة لذلك هو تعمد أسلوب التصعيد الهمجي الغير مسبوق ليدفع بحزب الله إلى التراجع وهذا لن ولا يحصل بالمطلق.
الخلاصة تقول إنّ نتنياهو وضع «إسرائيل» في أزمة حقيقية بعد القرار الأخير بالتصعيد، لأنّ نسبة التهجير سترتفع وتتزايد معضلة عودة النازحين، واللعب في حافة الهاوية يجلب الكثير من الأعباء لنتنياهو في خضمّ كسر عظم نقاط التحدي.
عندما قال حزب الله أوقفوا الحرب في غزة فتتوقف جبهة لبنان، قالت «إسرائيل» إن لا توقف للحرب مع غزة وأنتم عليكم أن تتراجعوا، ووفقاً للاستنتاج في هذه الجزئية نجد نقاطاً كثيرة لافتة في عملية التحدي المباشر كانت قبل أيام قليلة بإعادة السكان إلى الشمال وحزب الله يقول لهم لن يعودوا وكأننا دخلنا مرحلة كسر عظم في التحدي قد لا تجعل للتسوية مكاناً، لأنّ في هذة المرحلة أو المواجهة دخل لبنان مرحلة استراتيجية جديدة وطبعاً لحزب الله دور فعّال ومؤثر في جبهة الإسناد وألحق خسائر كبيرة بشرياً واقتصادياً عدا عن السقوط المدوّي لـ «إسرائيل»، في مقابل ذلك لا شكّ أنّ حزب الله دفع ثمناً كبيراً من التضحيات والشهداء المدنيين والعسكريين دعماً وإسناداً لغزة، فكانت الجبهة الشمالية تمثل عمق الارتباط، وهذا قرار يمكن أن نستنتج من خلاله بأنّ الرصاصة الأخيرة في هذة الحرب قد تخرج من جنوب لبنان وليس من قطاع غزة، ويمكن قراءة البيانات بوضوح لمن يشكك في هذا الكلام، وبالتالي المرحلة الجديدة تفضي بالعنوان الذي أراد نتنياهو أن يفرضه من خلال قواعد الاشتباك الجديدة على اللبنانيين بفرض منطق الاستباحة والتمادي ولصق ونسخ معركة غزة ببيروت منذ أن نفذ أول عملية اغتيال بالضاحية الجنوبية انتهاء بعدوان الـ «بايجر» واللاسكي وما بينهما من تجاوز لجميع الخطوط الحمر، بهدف استعادة صورة الردع. وفي حقيقة الأمر ما يحصل مع نتنياهو هو استعراض دون نتائج لأنّ هناك من يسأل عن النتائج وعن الأسرى والنازحين، كما أنّ هناك من سيقول له أين الفائدة من هذا العمل العسكري؟ فهل سينجح في تحقيق أهدافه؟ طبعاً هذا مردود عليه في السياق عينه عندما قال الأمين العام السيد حسن نصرالله ونبني عليه عندما قال لنتنياهو قبلنا التحدي ولن يعود مستوطنو الشمال قبل أن تضع الحرب أوزارها، بل ستتضاعف أعداد النازحين بالألوف وسيقف «الإسرائيلي» على رجل واحدة، لذلك قد يُقبل حزب الله على عمليات عسكرية تتجاوز ربما مرحلة التحدي لترسم ملامح قواعد اشتباك ردعية جديدة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى