حلب… النزال الأخير مع واشنطن
عامر نعيم الياس
تختلف حلب عن غيرها من المحافظات السورية، المدينة عاصمة المحافظة، قلب سورية الصناعي والمحرك الاقتصادي، اقتربت من دمشق في الأزمة، نخباً كما القاعدة أدركت منذ البداية ما يحاك للبلاد والعباد على حدٍّ سواء، فقررت الإمساك بيد العاصمة السياسية والتاريخية لصد الهجمة على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية. حتى أواخر عام 2012 دافعت حلب عن قوة الاقتصاد، دعم بقاء الحياة والنشاط الصناعي فيها العملة الوطنية، القدرة الشرائية للمواطنين لم تتأثر. إشارات تعجّب طرحت حول الاندفاعة غير المحسوبة للعاصمة الثالثة، كما يحب البعض تسميتها، ثالث المدن الكبرى حمص في لوثة الربيع الأميركي المخصص لسورية.
احتُلت العاصمة الاقتصادية، وهنا الفرق، احتُلت المدينة من قبل تمرّد في الريف الحلبي المحسوب تاريخياً على حركة الإخوان التي تحالفت مع القاعدة وتركيا لتدمير حلب ومعاقبتها على موقفها، كان المطلوب أطلسياً فتح معركة حلب، رهان، في ظل تضييق الخناق على الدولة السورية في الفترة الواقعة بين منتصف عام 2012 وبدايات عام 2013، على تدمير سورية من بوابة الاقتصاد أولاً، ومحاكاة التجربة الليبية في الشمال السوري ثانياً. بدأت سرقة المعامل وتفكيكها من قبل «لص حلب» رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، احتُلت المدينة القديمة وحُرقت سوقها التجارية التي تعدّ الأقدم في العالم، كما سيطرت الجماعات المسلحة على قلعة حلب. تحرّك الجيش السوري حينذاك وقطع الطريق على محاولات السيطرة على العاصمة الاقتصادية بالكامل، الأحياء الغربية تحت سيطرة الدولة السورية، أما الشرقية فهي تحت سيطرة الميليشيات المسلحة الموزعة بين «الجبهة الإسلامية» و«لواء التوحيد» و«جبهة النصرة» و«الجبهة الثورية».
أوائل الأسبوع الماضي سيطر الجيش العربي السوري على البريج في شمال حلب ما يسمح له باستكمال الحصار على الميليشيات المسلحة الموجودة داخل مدينة حلب، يحاول الجيش هنا التقدم وفق استراتيجية ناجحة جرى تجربتها في مدينة حمص، حيث تمت السيطرة على بعض المناطق في الريف وقطع طرق الامداد وصولاً إلى إحكام الطوق بالتدريج على مناطق تواجد المسلحين في قلب عاصمة المحافظة، جاء ذلك متزامناً مع خروج المسلحين من حمص القديمة و«انهيار آخر رموز المقاومة في حمص» بحسب «لو موند» الفرنسية.
على الطرف المقابل تعيش حلب ومنذ أكثر من أسبوع أزمة على الصعيد الإنساني، إذ قطع المسلحون الماء عن المدينة تاركين ملايين المواطنين في مواجهة العطش، كما قام «متمرّدو صقور الشام التابعين للجبهة الإسلامية» بحسب تعبير صحيفة «لوس أنجلس تايمز» الأميركية بتفجير فندق «كارلتون» التاريخي في حلب الذي شيّد في القرن التاسع عشر ووضعته اليونيسكو على لائحة التراث العالمي.
اللافت في التغطية الإعلامية الغربية لما يجري في حلب عدة أمور أهمها:
أولاً: تحويل أنظار الرأي العام الغربي نحو حلب، وتبرير ما جرى من تراجع وانهيار في حمص بتعزيز للمواقع في الجبهتين الشمالية والجنوبية في البلاد، إذ قالت «لو موند» الفرنسية «على رغم الانتكاسات التي عاناها التمرد في وسط البلاد وقرب دمشق، فإنه يحافظ على مواقعه في جنوب البلاد وشمالها، خصوصاً في حلب في الشمال الغربي»، فيما رأت زميلتها «ليبيراسيون» أن «المتمردين عازمون بحزم على الحفاظ على مواقعهم في جنوب البلاد وشمالها. هنا، وعلى رغم سخف محاولات تبرير الانهيار في حمص، إلا أن التركيز على أهمية حلب بالنسبة إلى الحرب الكونية على سورية أمر لا يجوز المرور عليه، خصوصاً في هذه المرحلة.
ثانياً: الترويج للاعتدال المضمون في المناطق الشمالية من سورية، وبالتالي تبرير أيّ عملية تسليح نوعية في هذه المنطقة من البلاد، وفي هذه النقطة حاولت «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية تعويم جمال معروف قائد الجبهة الثورية «المعتدلة» والذي تقوم «الولايات المتحدة بدعمه، وتنظر إليه السعودية وحكومات أخرى على أنه الوجه الجديد للثورة وأحد القادة البارزين في سورية الذي يقوم بتوجيه القتال على خطوط الجبهة الشمالية من سورية».
ثالثاً: حجب ملف الأزمة الإنسانية في حلب عن الرأي العام وتبرير ما جرى في فندق «كارلتون» وما سيجري مستقبلاً في ما تبقى من المدينة القديمة في حلب بما فيها قلعة حلب، تبريره في إطار شرعية الصراع بين عدوين على ساحة المعركة، فـ«غارديان» و«تلغراف» البريطانيتين وصفتا ما جرى في فندق «كارلتون» الأثري بأنه استهداف مبنى يشكل «قاعدةً للنظام».
إنها حلب إذاً، خسرت الميليشيات المتعاملة مع واشنطن وسط البلاد وتخسر، وهي في طريقها إلى خسارة مواقعها في محيط دمشق، درعا قريبة من الحدود مع الكيان «الإسرائيلي»، وبالتالي الرهان عليها له محاذير ولا يمكن أن يتعدّى حدود الاستنزاف. قبل أكثر من عام كسرت طموحات الأطلسي في شمال البلاد، واليوم بات من الضروري وضع كافة الإمكانات لخوض المعركة الأخيرة في عاصمة الصمود والكرامة السورية «حلب».
كاتب سوري