الحرب على ثلاث جبهات
سعادة مصطفى ارشيد*
لم يبقَ سوى أيام معدودة على نهاية السنة الأولى للحرب الأهم في تاريخ صراعنا مع المشروع المعادي، ومع نهاية السنة ستكون الحرب قد اتسعت بحيث تجري على جبهات ثلاث، جبهة غزة وجبهة الضفة الغربية ثم جبهة لبنان.
في جبهة غزة والتي حقق فيها جيش الاحتلال من الدمار والخراب والقتل ما يفوق معارك الجبهة الروسية في الحرب العالمية الثانية إلا أنه لم يحقق أهدافه لا المعلنة ولا المضمرة على حد سواء، فلم يستطع أن يستردّ مستوطنيه الأسرى لدى المقاومة، ولم يستطع سحق المقاومة، كما ادّعى، ولم يستطع إنشاء إدارة من وكلائه أو ممن لا ترضى عنهم المقاومة وجمهورها لإدارة غزة. أما على صعيد أهدافه المضمَرة فلن يستطيع دفع الحاضنة الشعبية إلى الانفكاك عن دعم المقاومة ولا دفع أهالي غزة إلى الهجرة خارجها، برغم الوضع المعيشي شبه المستحيل الذي يعيشون فيه.
أمام هذا العجز وهذه الرغبة لا بل والحاجة إلى فتح جبهات أخرى اضطرت حكومة الاحتلال إلى سحب كثير من كتائبها وألويتها ونقلها إلى الضفة الغربية والجليل والاكتفاء بالانتشار بقرب التجمعات السكانية الفلسطينية وداخل معسكرات أشبه بمعازل محصنة يتمركز فيها الجيش وينطلق منها لتنفيذ عملياته في المدن والمخيمات عندما يريد فيما، تستمر المقاومة بمقاتلته واستنزافه عسكرياً ومعنوياً.
المقاومة من جانبها لا زالت عند مطالبها بتبادل مناسب للأسرى ووقف إطلاق شامل للنار والانسحاب من كل المناطق التي احتلها (الإسرائيلي) وإدخال المساعدات الإغاثية والإيوائية التي أصبحت الحاجة إليها ملحة والشتاء على الأبواب.
جبهة الضفة الغربية والقدس حيث يرى الاحتلال أن الانشغال الفلسطيني والإقليمي المقاوم بالحرب من جانب وتخاذل الموقف العربي والإسلامي والفلسطيني من جانب آخر قد يعطي الفرصة للتطرّف التلموديّ لمزيد من الهجوم على المسجد الأقصى وبشكل غير مسبوق وقد يُسفر عن نتائج لصالح تقسيم المكان المقدس أو إيذاء عمارته الجميلة التي تعود إلى حوالي 1300 سنة. وهذا برنامج معلن للأحزاب والجمعيات التلمودية صاحبة الأصوات المرجحة في تشكيلات حكومات الاحتلال.
في باقي الضفة الغربية تشن (إسرائيل) حرباً لا هوادة فيها على مدن وقرى ومخيمات شمالها بشكل خاص كان آخرها اجتياح جنين ظهر أمس، بالدبابات والعربات المدرعة والجرافات الضخمة المحمولة على عربات، حيث تدور الاشتباكات بين الاحتلال وشبان المقاومة فيما تقوم الجرافات بتدمير البنى التحتية للمدينة وتحطّم شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي والشوارع وهي التي سبق لها أن دمّرتها المرة تلو المرة كان آخرها منذ حوالي 20 يوماً. ونموذج جنين ينسحب على باقي المدن والقرى والمخيمات فيما تسلّح الحكومة المستوطنين بالسلاح والغطاء إن للاعتداء على الفلسطينيين وإن لمصادرة أراضيهم وحرق مزروعاتهم وسرقة محاصيلهم.
الخطة (الإسرائيلية) واضحة في الضفة الغربية فهي تريد ضمها جغرافياً لا ديموغرافياً، أرضاً بلا بشر. فالفلسطينيون ليس أمامهم وفقاً للخطة (الإسرائيلية) إلا الموت أو الرحيل او العيش بذلة في خدمة المشروع المعادي.
جبهة لبنان: العدوان على لبنان أمر معدٌّ له من ما قبل السابع من تشرين الأول الماضي (فالإسرائيلي) يرى في المقاومة اللبنانية خطراً وجودياً سريع التنامي وتتطوّر قدراته وإمكانياته بسرعة وهو مدعوم من الجمهورية الإسلامية، وحسب زعمه فهي ذراع من أذرعها القوية والمجاورة له، لذلك لا بد من القضاء عليها. ومنذ اندلاع الحرب أعلنت المقاومة اللبنانية دعمها وإسنادها لغزة وفتحت جبهة إضافية في شمال فلسطين المحتلة أدّت إلى تعطيل الحياة في الجليل وتهجير مئات الألوف من المستوطنين وإلحاق الضرر بالمزارع التي تمثل جزءاً وازناً من سلة غذاء (إسرائيل) كذلك كثير من الصناعات التحويلية.
كانت رغبة (الإسرائيلي) عالية برفع مستوى الاشتباك مع لبنان وفق حسابات لديها وبأن الحرب مع لبنان سوف تتطوّر إلى شيء من الحرب العالمية لا تكتفي بها دول الغرب بإسناد حلفائها وعلى رأسهم (إسرائيل)، وإنما بالقتال المباشر معهم، لكن الضوابط الخارجية حالت دون ذلك مما وضع قواعد جديدة للاشتباك تتمثل بالضربات المتقابلة. طالت الحرب وضعفت الإدارة الديمقراطية في واشنطن خاصة مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي هناك، مما جعل من هامش الحركة واسعاً لدى حكومة الاحتلال بهدف جر المقاومة اللبنانية الى حرب مفتوحة باستنفاد صبرها الاستراتيجي بضربات أجهزة الاتصال وقصف الضاحية الجنوبية لبيروت وعمليات الاغتيال التي قادت إلى استنفاد بعض من الصبر الاستراتيجي وإلى اشتعال الجبهة وإثبات أن المقاومة في لبنان قادرة على الردّ من العيار ذاته وإن كانت حتى الآن تضرب القواعد العسكرية والأهداف غير المدنية، فيما (الإسرائيلي) يتبع الاستراتيجية القديمة بقصف وقتل المدنيين خالقاً حالة من الرعب والهلع. وما ضربة صباح أمس بالصاروخ النوعيّ الجديد لمقر الموساد إلا ليقول ويثبت: نحن نستطيع.
ملاحظتان لا بد منهما، الأولى: إن كل الجهود التي تبذل من قبل محور المقاومة لعدم الدخول في المواجهة الكبرى قد تكون قادرة على تأجيل هذه المواجهة، لكنها لن تستطيع في النهاية الحيلولة دون الدخول في الحرب الواسعة، والملاحظة الثانية أن العقلية الحاكمة في دولة الاحتلال ترى أن وجودها مهدّد حتى لو كسبت الحرب في غزة، إذ أن بقاءها قد أصبح مرهوناً بتغيير مشرقنا في عملية شبيهة بسايكس بيكو جديدة وفق رؤياها، الأمر غير الوارد فقد أعادت صبيحة السابع من تشرين الأول للأمة روحها المقاومة والمستعدّة لصراع طويل.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة