ردّ المقاومة المتصاعد يضع نتنياهو بين خيارين: الحرب البرية ومخاطرها أو قبول حلّ يربط بين لبنان وغزة
حسن حردان
ضربة جديدة قوية وجّهتها المقاومة في اليوم الثاني للعدوان الجوي، تمثلت بقصف مقرّ «الموساد الإسرائيلي» في ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي نوع قادر 1، في سياق الردّ المتواصل على اغتيالات العدو الصهيوني لقادة المقاومة في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.. ومقرّ الموساد الذي استهدف هو المسؤول عن اغتيال القادة في المقاومة وتفجيرات أجهزة الاتصال «بايجر» و»ايكوم»..
هذا الردّ يندرج في سياق سياسة الردود التي قرّرتها المقاومة، «من خارج الصندوق»، كما قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، ايّ انه لا يرتبط بما تقوم به المقاومة من ضربات يومية في شمال فلسطين المحتلة توسعت جغرافياً، في اليومين الماضيين، لتشمل كلّ مناطق الشمال الفلسطيني المحتلّ، بما فيها مدينة حيفا وما بعد حيفا وصولاً إلى مطار مجدو الحربي وقواعد عسكرية أخرى في جبال الكرمل ومدينة العفولة.. التي تبعد عن الحدود مع لبنان نحو 65 كلم.. ومعادلة المقاومة باتت، مثلما يستهدف طيران العدو قادة في ضاحية بيروت الجنوبية، فإنّ المقاومة قّررت استهداف مقرات أمنية «إسرائيلية» في ضواحي تل أبيب، ايّ الردّ بالمثل على محاولة العدو تغيير قواعد الردع، وهذا يعني انّ مرحلة من «عض الأصابع» دخلت فيها المواجهة بين المقاومة وكيان الاحتلال، ينتصر فيها من يملك القدرة على تحمّل الاستنزاف وكلفته..
المقاومة استوعبت ضربات العدو، وبدأت تنفيذ خطتها لردع العدو، وزيادة منسوب استنزافه، ومنعه من تحقيق مبتغاه من وراء نقل الاستنزاف الذي يعاني منه في الشمال إلى بيئة المقاومة في عموم مناطق الجنوب والبقاع، مع استهدافات نوعية محددة في الضاحية الجنوبية وصولاً إلى مناطق في كسروان ـ جبيل.. على أنّ المقاومة تدرّجت في استخدام قدراتها في الردّ على توسع نطاق الحرب الإسرائيلية، من التوسع في ضرب أهداف حيوية عسكرية واقتصادية وأمنية إلى استهداف مركز للمستوطنات في كلّ الشمال الفلسطيني، وهو ما تجسّد عبر:
أولاً، قصف ضواحي تل أبيب بصاروخ باليستي للمرة الأولى في تاريخ الصراع المفتوح منذ 8 تشرين الأول الماضي، بين المقاومة وكيان الاحتلال، بعد أن قصفت في الشهر الماضي وحدة 8200 للاستخبارات العسكرية (أمان) بالطائرات المُسيّرة ردا على اغتيال القائد الشهيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية…
ما يدلل على انّ هذا التصاعد في ردّ المقاومة، يؤكد انّ قدراتها العسكرية لم تمسّ، وانّ اغتيال قادة من صفوفها، لم يضعف بُنيتها، او يؤدي إلى ارتباك منظومة القيادة والتحكم والسيطرة لديها..
ثانياً، تشديد القصف على مستوطنات الشمال والمدن الرئيسية، لا سيما مدن صفد وطبريا وحيفا حيث الثقل الاستيطاني في الشمال، لإجبار المستوطنين على المغادرة إلى العمق الصهيوني في تل أبيب، في ردّ عملي، يقابل إقدام العدو على تهجير أهل الجنوب اللبناني..
وبذلك تفرض المقاومة معادلتها في الردّ على التصعيد في الحرب الصهيونية، لإحباط أهداف حكومة العدو والقول لها برسالة عملية، إنك لن تستطيع ليّ ذراع المقاومة، وجعلها ترضخ لشروطك بالفصل بين جبهتي الجنوب وغزة.. وما فشلتم به في غزة من المستحيل ان تنجحوا فيه في لبنان، وأحلامكم سرعان ما ستتلاشى وتكتشفون أنكم لم تفعلوا سوى زيادة مأزقكم وخسارتكم والعودة إلى نفس النقطة وهي مواجهة حقيقة ان عودة المستوطنين إلى مستعمراتهم في الشمال مرهون فقط بوقف حرب الإبادة في غزة وتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية..
إذن اليوم الثاني لنتائج العدوان أكدت انّ قوة المقاومة بخير، وانها قادرة على التصعيد في مقابل التصعيد الصهيوني، مما قاد الى تفاقم مأزق كيان العدو من جراء اتساع دائرة استنزافه، حيث اعتراف مسؤول أمنى «إسرائيلي» بأنّ سلسلة القيادة لدى حزب الله لا زالت تعمل، ولديها شبكة اتصالات سلكية وأجهزة أخرى.. وهذا يعني إقراراً بالفشل في شلّ منظومة القيادة والتحكم والسيطرة لدى المقاومة، وهو ما شكل أحد مصادر قوة المقاومة التي مكنتها من إحباط أهداف حرب تموز وتحقيق النصر على جيش الاحتلال.. لذلك فإنّ إقدام حكومة نتنياهو على شنّ هجوم بري على غرار حرب تموز هو ما تتمناه المقاومة لأنه ملعبها حيث القتال المباشر والقدرة للمقاومين على مواجهة جيش الاحتلال وتدمير دباباته وتلقين ضباطه وجنوده دروساً جديدة في القتال، تشلّ فيه قدرة طيران العدو على التدخل لحماية جيش الاحتلال، بما يعيد للذاكرة مشاهد القتال الضاري الذي واجه جنود العدو في حرب تموز.. ولهذا فإنّ فشل العدوان الجوي في تعطيل قدرات المقاومة، وسرعة ردّ المقاومة ورفع مستوى هذا الردّ تدريجياً وصولاً إلى قصف مقر الموساد قي تل أبيب، يبدو، بالظاهر حتى الآن، أنه جعل قادة العدو يعيدون حساباتهم ويسارعون إلى الطلب من سيدهم الأميركي للتحرك على خط الوساطة لوقف مؤقت لإطلاق النار، فيما كان لافتاً مسارعة الدبلوماسية الأميركية إلى الحديث عن طرح مبادرة قيل إنها تربط بين جبهة جنوب لبنان وقطاع غزة، لكن بانتظار معرفة الفحوى الحقيقية لهذه المبادرة، وما إذا كانت فعلاً تسعى إلى حلّ لتحقيق ما تطالب به المقاومة من ربط وقف النار مع شمال فلسطين المحتلة بوقف حرب الإبادة في غزة وتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية، ام انها تتضمّن مناورة أميركية تهدف إلى استثمار تصعيد الحرب الإسرائيلية والدمار الهائل والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، والتهجير الذي تسبّب به لأبناء الجنوب اللبناني وبعض مناطق البقاع، بهدف محاولة مقايضة وقف هذا التصعيد وعودة المهجرين اللبنانيين، مقابل وقف النار على جبهة الجنوب وعودة آمنة للمستوطنين الصهاينة إلى مستعمراتهم في الشمال، من غير ان يرتبط ذلك بوقف الحرب في غزة بموجب اتفاق تقبل به حماس وتوافق عليه حكومة نتنياهو بدون لبس او مواربة..
من يحسم في ايّ اتجاه ستسلك الأمور هو نتنياهو، الذي يبدو أنه في اليوم الثاني لعدوانه الجوي، واتضاح فشله في تحقيق أهدافه، يجد نفسه أمام خيارين صعبين بالنسبة له:
إما القبول بحلّ يربط بين جبهتي لبنان وغزة… أو الذهاب إلى شن الحرب البرية مع ما تحمله من مخاطر كبيرة بالنسبة لجيشه تكرر فشله في تحقيق أهداف الحرب…