مهرجان ثقافي يُطلق «البعد الخامس».. دعوة إلى التعدّدية ونقد الخطاب الثقافي
نظام مارديني
لماذا اليوم تصدر مجلة «البعد الخامس»؟
قد يجد القارئ نفسه مدفوعًا بشغف لقراءة أو تصفّح العدد الأول من المجلة لكي يخرج من العتمة إلى الضوء وينفض الغبار عن الساحة الثقافية ليحصل على الإجابة عن السؤال وكي يدرك أن توأمة الوجع مع الثقافة مرحلة صعبة. فالجسم الثقافي، في لبنان والعالم العربي، تلقى ضربات قاسية بدأت بإغلاق صحف وانتهت بتشظي هذا الجسم إلى شظايا طائفية ومذهبية وهوياتية وكيانية حتى بدا الجسم عاريًا كأشجار الخريف. ويمكننا أن نرى كيف جلب هذا التشظي الويلات على مواطننا وثقافتنا المتنوّعة التي تنطلق من نبع واحد وتصبّ في جداول عديدة. فهل يكون هذا «البعد» فضاءً للحرية، ولصناعة الخطاب الثقافيّ في مجتمعاتنا العربية، تقوم مرجعياته على التعددية والحوار لا على التهميش والإقصاء، بل على الإيمان بالمختلف وبثقافة الآخر داخل عالمنا العربي؟ وهل ستكون هذه المجلة امتداداً طبيعياً لمجلة «شعر» و»الناقد و»فكر» و»الطريق»، أو أننا كما تقول مارغريت أتوود أن «كل قصة، في البداية، تكون كما لو إننا نفتح بابًا على فضاء مجهول تمامًا»؟
ففي احتفالية هي الأقرب لمهرجان ثقافي احتضن صالون وملتقى الفنانة التشكيلية القديرة خيرات الزين، (أوائل أيلول 2024) حفل إطلاق مجلة «البعد الخامس» بحضور شخصيات ثقافية وإعلامية متنوّعة شاركت الزملاء، شادي منصور (المدير العام)، وعبد الحليم حمود (رئيس تحرير)، ورنا يتيم (مديرة التحرير)، هذا العرس الثقافي، وقد عبّر البعض منهم خلال مداخلاتهم على أهمية هذا الحدث، واعتبرها البعض أشبه بالمغامرة، وتأمل إدارة «البعد الخامس» أن تجد بين قرائها من ينقدها ويهديها في تصويب مسارها نحو الهدف الذي وضعته لنفسها، ببعدها الثقافي الفكري الفلسفي، لاستعادة الناقد لدوره التنويري، خصوصًا أن وسائل التواصل الاجتماعي أتخمتنا بأعداد هائلة من أنصاف المثقفين والنقاد. ولهذا تحرص إدارة «البعد الخامس» على التنوّع وهو ما لمسناه من مراجعتنا للقراءات التي حفلت بها المجلة في عددها الأول، والمجهود الذي بذله مشرفو الإدارة وهم يحررون صفحاتها بدراية وجدية ومثابرة.
ولكن لماذا «البعد الخامس»؟ وما هي العوامل التي دفعت لإطلاق هذا الاسم الذي يُسمّى بالصحوة الروحيّة رغم أنه لا أبعاد للكون بعد «البعد الرابع»، الطول والعرض والعمق.. وقد أضاف الفيلسوف اينشتاين البعد الرابع «الزمن»، ويسمّى هذا المُركّب بـ «الزمان ـ المكان»، الذي يشار إليه اختصارًا بـ «الزمكان» وهو عنوان دارهم للطباعة والنشر. ولهذا لا بد من تقديس لحظة الانطلاقة الراهنة لـ «البعد الخامس»، ثم التأمل منها للتفكير في بقيّة الأزمنة، ففي التأمل نستطيع رؤية «البعد الخامس».
هذا البعد من الوعي هو رحيق الشراب الذي يجذب الإنسان منذ حداثته ما أن يشربه الشارب وينشغل به فهو حكمًا سينطق بحاله ويتكلّم لغته. يسكن «البعد الخامس» بين لوعة الوجد ولذة الوصال حتى تأخذ العناية بيده فيترقّى من حال إلى مقام ومن حيرة إلى يقين ومن تلوين إلى تمكين عرشه في ثنايا الوعي في مكامن الجمال وربما التصوّف والذي يتناسب مع طاقة الإنسان الجديدة على الصعيد العقلي والروحي دوناً عن غيرهما، ما سيجعلنا ننهي كل الأسئلة التي بداخلنا تجاه أي شيء لأننا وجدنا الإجابة عليها في دواخلنا!
وهكذا، بعد الركود الذي عرفته الساحة الثقافية، جاء صدور العدد الأول من مجلة «البعد الخامس» مرحلة جديدة من مراحل النقد الأدبي والبلاغي والفني والثقافي العربي، ومحاولة جادة لملء الفراغ الناجم عن غياب الصفحات الثقافية (مع وجود استثناءات بطبيعة الحال)، وسيجهد «المغامرون» الذين تنكّبوا إصدار المجلة إلى إعادة فتح نوافذ الضوء أمام الأصدقاء لكشف بعضهم بعض من جديد.. وأيضًا لفتح الباب أمام الشباب بهدف اكتشاف ذواتهم وقدراتهم في الخوض بمعارك الأدب والفكر والفنون بأنواعها.