سنعود إلى بيوتنا… و«العود أحمد»
علي بدر الدين
تلقّف اللبنانيون عموماً والجنوبيون النازحون والصامدون خصوصاً، ما تمّ تداوله عن إمكانية حصول هدنة (21 يوماً) كمرحلة أولى تليها مراحل لتنفيذ ما يتمّ الإتفاق عليه، علّها تفتح الأبواب أمام عودة النازحين إلى قراهم ومنازلهم الذين غادروها بفعل العدوان الصهيوني المتوحّش الذي يستهدف البشر والحجر والشجر، ويقتل ويدمّر ويهجّر ويحاول بكلّ إجرامه سلخ الشعب عن حياته وأهله وقريته وبيته، ولا مانع عنده أو رادع لإبادة شعب بكامله كما فعل ويفعل في غزة منذ ما يقارب السنة.
لم يؤدِّ انتظار الناس وتعلقهم بقشة الأمل إلى الخواتيم المتوقعة، فخابت ظنونهم وتبخّرت أمالهم وتلاشت أحلامهم، لأنّ العدو الإسرائيلي مُصرٌّ على مخططه التدميري الهمجي وعلى ارتكاب المزيد من المجازر والجرائم بحق المدنيين من الاطفال والنساء.
فشل اتفاق الهدنة لأنّ أميركا الداعمة الأولى للكيان الصهيوني، لا زالت في إطار التمني فقط على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لوقف حربه على لبنان وليس الضغط عليه وإجباره على القبول بالهدنة، هذا الموقف الأميركي المنحاز للكيان الصهيوني والمتراخي تجاهه، حرم النازحين من العودة السريعة إلى ديارهم، الذين اشتاقوا اليها وإلى دفئها وحنانها وأحضانها، واشتاقوا إلى وردات الدار و»شمّ» رائحة «الجوري» وعطر الفلّ والياسمين، وقد يحتاجون إلى رشّة ماء تُعيد لهم الحياة، اشتاقوا إلى الأهل والأقارب والجيران وأبناء البلدة الذين ألِفوا الحياة معهم والاستئناس بهم لأنهم مهما «جارت» الأيام هم مصدر السعادة والفرح،
اشتاقوا إلى جلسات الشاي والقهوة والنرجيلة (الأركيلة)، اشتاقوا إلى شجرات الحديقة الذين تربّت على أيديهم وسقوها دمع العين وتحوّلت إلى جزء مهمّ من تفاصيل حياتهم بل من يومياتهم وهم ينعمون بفيئها وهوائها والقعدة بظلها. وإلى كل تفاصيل التفاصيل الصغيرة والكبيرة وهذا يحتاج إلى مجلدات.
يقال «مَن ترك داره قلّ مقداره» ولا يأنس المرء ولو كان يقيم في قصر فخم، خارج بلدته بعيداً عن أهله وبيئته ولا يشعر فيه بالدفء والحنان في حين أنه يكون في قمة السعادة في بيته رغم تواضعه، وأثاثه الرث و»المهلهل» وسقفه الذي يدلُف وجدرانه التي نزع الزمن عنها (الدهان- البويا- الطرش) لأن بيته حتى لو كان سقفاً من خشب أو طين أو نايلون، يبقى الأحبّ إلى قلبه لأنه ولد فيه وتزوج وأنجب وعاش وألف كلّ زاوية او وردة او شجرة او قطة او طير فيه.
أليس هذا البيت المتواضع جداً هو ستره وأمانه وكاتم أسراره، ويُقال «إنّ البيوت أسرار» ولم يذكروا إنٍ كانت «فيللاً» أو قصوراً او بيوتاً من «كلّين وطين».
سنعود إلى بيوتنا حتى لو كانت مدمّرة بصواريخ العدو وحقده وعنصريته، إنْ طال الزمن أو قصر غصباً عن هذا العدو المجرم، ولأنّ على الثغور رجال صامدون، يقاتلون ويتصدّون ويضحوّن بأرواحهم ودمائهم ويستشهدون دفاعاً عن الأرض والعرض والكرامة وعن كل الوطن…