أولى

العدوان «الإسرائيلي» على الضاحية يفتح المواجهة على مصراعيها وبلا قواعد

حسن حردان

بات من الواضح أن الحرب الإسرائيلية الجوية على لبنان، واستراتيجية المقاومة في الرد الهادف والمتصاعد عليها، والتي يمكن تسميتها بمعركة “عض الأصابع”.. هذه المعركة بلغت أمس مستوى غير مسبوق، الا في أثناء حرب تموز، عندما قصفت طائرات العدو أف 35 بصواريخ ثقيلة زنة ألفي رطل خارقة للتحصينات في قصف وتدمير مربع سكني في الضاحية الجنوبية وسوّت العديد من الأبنية بالأرض، مستهدفة، حسبما قال الناطق العسكري الصهيوني، المقر المركزي لحزب الله واغتيال أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصر الله.. مما يفتح المواجهة على مصراعيها، بعد أن تجاوز العدو كل الخطوط الحمراء، وارتكب مجزرة مروعة في الضاحية.. الأمر الذي يجعل المقاومة في موضع حق الدفاع المشروع للرد بالمثل بقصف العمق الصهيوني ووضع معادلة تل أبيب مقابل بيروت موضع التنفيذ العملي، لأنه لا يمكن للمقاومة، بكل الاعتبارات، ان لا ترد وبقوة على هذا العدوان وفي قلب الكيان بما يتناسب وحجم الجريمة الإرهابية الوحشية والمجزرة التي ارتكبها العدو، لاسيما وان العدوان الصهيوني:
اولاً، استهدف منطقة سكنية في عمق الضاحية ودمر مربعاً سكنياً كاملاً وأدى إلى استشهاد وجرح عدد كبير من المواطنين…
ثانياً، استهدف القيادات المركزية لحزب الله، ومن بينهم الأمين العام سماحة السيد حسن نصر الله.
ثالثاً، أسقط كل المحرمات وكل الخطوط الحمراء وأحدث تغييرا في قواعد اللعبة بالكامل، ولم يعد هناك، بعد الآن، اية قواعد تحكم المعركة التي أصبحت منذ الان مفتوحة وشاملة..
فكيان الاحتلال من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار وحتى الرأي العام يشهد توحداً في دعم الحرب الإسرائيلية على لبنان، على غرار ما حصل في بداية الحرب على غزة اثر هجوم المقاومة النوعي في سبعة تشرين الأول الماضي، اعتقاداً منهم انها ستحقق أهدافها في توجيه ضربة قاضية للمقاومة تجبرها على الخضوع للشروط الإسرائيلية لفصل جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة، بما يمكن حكومة بنيامين نتنياهو من إعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم في شمال فلسطين المحتلة، وتعيد لهم الأمن والاستقرار المفقود.. ويمكنها من الاستدارة مجددا إلى التركيز على غزة والاستفراد بها لأجل مواصلة الضغط بهدف اخضاع المقاومة الفلسطينية للشروط الإسرائيلية لتبادل الأسرى.. واستطراداً خروج نتنياهو من هذه الحرب وقد حقق انتصاراً يحمي مستقبله السياسي ويعزز مكانته بين الصهاينة وفي السلطة من دون منازع.. وينفذ الكيان من تداعيات الهزيمة أمام المقاومة..
في المقابل فإنّ المقاومة التي خبرت المواجهة مع جيش الاحتلال والتي كانت تخوض المعركة وفق استراتيجية تمكنها من إحباط أهداف الحرب الإسرائيلية وتبديد احلام نتنياهو بتحقيق النصر عليها.. من الطبيعي أن تصبح الآن أمام تحدي إحداث نقلة نوعية في ردّها على الجرائم الصهيونية وشراسة العدوان واستهداف القيادة المركزية لحزب الله.. والمقاومة، مهما كانت الخسارة مؤلمة وكبيرة الناتجة عن العدوان الجديد على الضاحية، فإنها قادرة على تجاوزها والنهوض، كما فعلت اثر اغتيال أمينها العام السابق السيد عباس الموسوي عام 1992، من خلال آلياتها وجاهزية بنيتها في ملء الشواغر التي تحصل في المواقع القيادية في ذات اللحظة التي يستشهد فيها أحد القادة، لأنها استعدّت لمثل هذه التحديات من خلال بناء وإعداد القادة والكوادر الذين تدرّبوا واكتسبوا الخبرة العلمية والعسكرية ومن تجربة القادة المؤسّسين والذين استشهدوا في الحروب.
التصدي للعدوان والرد على تصعيده الذي يستهدف ضرب بيئة المقاومة، بتصعيد مدروس يستهدف قواعده ومصانعه العسكرية ومطاراته الحربية وبحريته، ومراكز المدن الكبرى في الشمال الفلسطيني والعمق الصهيوني، بحيث تفرض معادلة مقابلة للمعادلة التي يحاول فرضها العدو، لتحقيق هدفها في إحباط أهدافه.. هذه الاستراتيجية تهدف إلى توسيع دائرة النزف الإسرائيلي على الاصعدة كافة.
انطلاقاً من ذلك فإن المعركة ستشتدّ وهي دخلت نقطة تحوّل ومرحلة جديدة بما يمكن تسميته الحسم، لأنّ العدو لديه مأزق نابع من المخاطر التي ستواجهه في حالة ذهب إلى الحرب البرية لمحاولة تحقيق ما لم تتمكن من تحقيقه الحرب الجوية، ونابع كذلك من مخاطر تراجعه أمام المقاومة وفشله في تحقيق هدفه من هذه الحرب..
في المقابل فإنّ المقاومة معروف عنها أنها لا تتراجع أمام العدو، وهي أعدّت جيداً لمواجهة طويلة، وتملك القدرات وإيلام كيان الاحتلال وإحداث تحوّل فيه يقلب مناخ التوحد حول الحرب بما يعيد مناخات الانقسام واليأس والإحباط من إمكانية تحقيق الأهداف وبالتالي تصاعد الاتجاه الذي يسلم بأن لا حلّ إلا من خلال اتفاق كامل مع المقاومة في غزة ينهي الحرب ويحقق الهدوء في الشمال، والتسليم باستحالة فرض الشروط على المقاومة لبنان..
وفي السياق قال الجنرال المتقاعد إسحاق بريك في مقال له أمس في صحيفة “معاريف” الاسرائيلية: “الحرب الاستنزافية المستمرة ستقود في النهاية إلى انهيار اقتصادي واجتماعي في “إسرائيل” إلى جانب إضعاف قوات الاحتياط الإسرائيلية”.
من هنا يمكن القول إنها معركة شرسة، ليس من السهل على حكومة نتنياهو التراجع والتسليم بمطلب المقاومة وقف حرب الإبادة في غزة كمعبر إلزامي لوقف النار على جبهة الجنوب، لأنه يعني هزيمة كبيرة للكيان وحكومة نتنياهو، سيكون لها تداعيات زلزالية على الكيان ومستقبله، وعلى مستقبل نتنياهو وأحزاب اليمين الصهيوني المتطرف الذين سيحملون مسؤولية الهزيمة وتوريط “إسرائيل” في مثل هذه الحرب.. كما أنّ المقاومة لا يمكن لها ان تتراجع او تسمح للعدو بتحقيق أهدافه لأنّ ذلك سيهدّد وجودها بالصميم، ويضعف الثقة الشعبية بالمقاومة المسلحة.. وهو ما يسعى اليه من وراء استهداف بيئة المقاومة وقياداته المركزية والعسكرية.. ولهذا فإنّ المطلوب أوسع التفاف حول المقاومة ودعم ومساندة لها في هذه الحرب المصيرية الفاصلة، لإحباط أهداف العدو الخطيرة، وتحقيق النصر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى