مرويات قومية

مرويات قومية

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

 

إعداد: لبيب ناصيف

 

بـيـت الـمـال الـعـربـي

 

كثيرا ما يسمع أحدنا ببيت المال العربي انما لا يعرف عنه تأسيساً وممارسة ودوراً.
المعلومات التي دوّنها الرفيق الأديب عبد اللطيف كنفاني(1) بتاريخ 5/11/1993عن أمين عام بيت المال العربي الدكتور عزت طنوس، تقدم إضاءة جيدة على بيت المال العربي الذي كان من اركانه الرفيق عبداللطيف قبل سقوط القدس، فاضطراره، كما معظم اهلنا في فلسطين الى مغادرتها.

*****

واحد من اولئك الابرار الأوائل الذين اتقدت محبة فلسطين في قلوبهم وما خبت جذوتها على امتداد العمر. ذلـكم كان راحلنا الكبير الدكتور عزت طنوس، الذي ما كلّ له يوم ساعد ولا هنت له عزيمة ولا هدأت له ثائرة في مسيرة نضاله الطويلة بل في رسوليته من اجل بلاده.
عرفته رئيساً لي في بيت المال العربي في القدس، أمينه العام.
«نحن في سباق مع الزمن»
قال لنا هذا القول يوم جمعنا حوله صبيحة يوم من عام 1947 وكنا نواة الجهاز الاداري لبيت المال العتيد. وشدد على اننا سنكون مستنفرين على مدار الساعة. ولكم كان صادق القول، اميناً مع نفسه مخلصاً لرسالته اذ انه كان بالفعل أول المستنفرين من بيننا.
كان بيت المال العربي قد انبثق عن الهيئة العربية العليا لفلسطين وعهدت إليه مسؤولية جباية التبرعات لتمويل العمل القومي. وعندما سُمي الدكتور عزت طنوس اميناً عاماً لبيت المال، لاقى اختياره ترحيباً بالغاً في الاوساط كافة لمـا عُرف عنه من خلق وترفع وعفة ولما اقترن اسمه بالنضال والتضحية في سبيل فلسطين التي احب.
بادر من يومه الاول الى تأسيس الادارة المركزية لبيت المال في القدس، فأرسى قواعد عمل مؤسسي هي مثال في التنظيم، ثم انطلق يؤمّن الانتشار في ارجاء فلسطين كلها. فجاء تشكيل لجان بيت المال في المدن والقرى والتي كانت مثابة مجالس اهلية محلية انبرت للتوعية برسالة بيت المال ومناشدة الاهلين للبذل والعطاء.
ولقد أقبل الكثيرون من رجالات البلاد ووجهائها على الانضمام الى لجان بيت المال. ومنهم من تسابق الى عضوية تلك اللجان في مؤازرة فريدة لذلك الجهد واجماع على مساندة الرجل الثقة الذي يقف خلفه.
انما لوضع اسس الجباية وكانت تشبه التكليف الضريبي مثلها كمثل ضريبة الدخل، كان لا بد من الاستئناس برأي التجار والمزارعين والمهنيين وارباب الحرف والهيئات النقابية والمجالس البلدية والجمعيات الشعبية على اختلافها، وذلك لوضع الجداول بالمبالغ التقديرية المقترح تحصيلها. وهذا ما انصرف إليه الأمين العام بصحبة أعوانه فجال على مدن فلسطين وقراها يوما بعد يوم.
فمن القدس الى يافا واللد والرملة. ثم من القدس ثانية الى حيفا وعكا والناصرة وطبرية وصفد فالعودة مرورا بــ نابلس وجنين و طولكرم. وتتوالى الزيارات الى الخليل والى بيسان ورام الله وبيت لحم وغزة وبئر السبع وخان يونس والمجدل، واريحا… نعم اريحا. وماذا اعدد لاعدد. وانا ان لم اتوقف هنا في واحدة من محطات تلك الجولات فان امين البيت لم يغفل يومها بلدة كبيرة كانت ام صغيرة الا وزارها أو اضطر للمبيت في ضيافة اهلها ليعود منها غانماً مكرماً مفعماً بالامل والحماس.
بعد كل الاعداد والتنظيم حقق بيت المال جانباً من رسالته فساهم في تمويل المجهود القومي ما قدر له أن يفعل قبل تسارع الاحداث على النحو الذي بات معلوماً.
تألفت الهيئة التي ساهمت مع الدكتور عزت طنوس في بيت المال العربي من:
الرفيق الدكتور يوسف الصايغ(2) – مديراً عاماً
الرفيق نايف بشناق(3) – مديراً عاماً مساعداً (من بلدة الطيري- حيفا، وعمل في الصحافة) .
الرفيق عبداللطيف كنفاني – مديرا ادارياً
الأمين جورج جورج(4) – مديرا للشؤون المالية
وفي هذا دلالة على الحضور القومي الاجتماعي في القدس وفلسطين قبل النكبة عام 1948.

*****

لمزيد من المعلومات التي تضيء على “بيت المال العربي” نورد ما كانت نشرته جريدة “صدى النهضة” في عددها رقم 171 تاريخ 29/10/1946، بعنوان:
“نشاط بيت المالي العربي في فلسطين”
“بيت المال العربي مؤسسة قومية أنشئت حديثاً لتوحيد الجباية الشعبية في فلسطين وتركيزها على أسس عملية. وقد باشر بيت المال العربي اعماله في منتصف ايلول المنصرم ومنذ ذلك الحين حتى اليوم استمر في اعداد ميزانية تقديرية لإيراداته ومصروفاته بالاستناد الى احصاءات دقيقة شملت كافة المدن والقرى الفلسطينية وكافة الفئات الاجتماعية والاقتصادية، فجاءت الميزانية عملية مترابطة ويصح ان يقال انها المحاولة المجدية الاولى لتنظيم الناحية المالية من النضال القومي في فلسطين سواء عن طريق الايرادات او تنفيد ادوات الصرف، وستشمل المصروفات، كما فهمنا، انقاذ وتحسين الاراضي والتنظيم والاقتصاد الوطنيين وشتى الشؤون السياسية الاخرى.
“وسينشئ بيت المال مكاتب في الالوية الفلسطينية كلها وقد عهد الى الاستاذ يوسف الصايغ(2) بإدارة بيت المال يساعده في ذلك الاستاذ نايف بشناق(3) ويشرف على اعمال هذه المؤسسة من قبل مجلس الامناء: الدكتور عزت طنوس بصفته اميناً عاماً للمجلس وقد عقد المجلس اجتماعاً لدراسة الميزانية اصدر على اثره البيان التالي:
من الساعة الحادية عشرة من صباح الاربعاء 16 تشرين الاول الجاري اجتمع مجلس الامناء لبيت المال العربي في مكتب بيت المال الكائن في دار الهيئة العربية العليا بالقدس وقد حضر من الاعضاء السادة: جمال الحسيني، الحاج طاهر قرمان، الحاج مصطفى استيتيه، فيصل النابلسي، الشيخ شاكر ابو كشك، أسعد الحلبي، كامل القاضي والدكتور عزت طنوس الامين العام. وقد اعتذر البعض عن عدم الحضور لأسباب قاهرة.
“قدم الامين العام مشروع ميزانية ضخمة لبيت المال العربي وتولى عرض تفاصيل بنودها بالاستناد الى احصاءات وتقديرات عملية، وبعد مذكرة دقيقة ودرس طويل أقرّ المجلس الميزانية في جملتها وتفصيلها مع بعض التعديل وقرّر عرضها على الهيئة العربية العليا لتقرّها ثم تذاع على الرأي العام ويباشر فوراً بالعمل على تحقيقها.
“وتقرّر إنشاء ستة مكاتب لبيت المال العربي في الالوية التالية: القدس، يافا، حيفا، نابلس، غزة والناصرة. وسيباشر حالاً بافتتاح فرعي يافا وحيفا بالاضافة الى المكتب الرئيسي بالقدس الذي باشر أعماله منذ مدة قريبة. أما الفروع الثلاثة الاخرى فسيتم افتتاحها في مدة لا تتجاوز ثلاثة اسابيع.
ومن المحقق ان هذا المشروع سيكون الاساس العملي الصحيح لانقاذ هذه البلاد واراضيها من الخطر المحيط بها”.

هوامش
1 ـ عبد اللطيف كنفاني: المناضل والاديب والمميّز، مواليد مدينة حيفا 1927. للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول إلى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية. ssnp.info
2 ـ يوسف الصايغ: تولى مسؤولية منفذ عام القدس. دكتور في الاقتصاد. مراجعة الموقع المذكور آنفاً،
3 ـ نايف بشناق: رفيق، من بلدة الطيري – حيفا. عمل في الصحافة، ومنها في جريدتَي «الحياة» و»الهدف». درس في مدرسة الفنون الأميركية في صيدا ثمّ في الجامعة الأميركية في القاهرة. قضى نحبه عندما نشب حريق في جريدة «الهدف»، فبدل أن يتوجّه إلى الطوابق العُليا، توجّه إلى السفلى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى