أخيرة

آخر الكلام

مرة أخرى… شعراء ما قبل الإسلام

 

الياس عشّي

 

وربّ قائل: وهل لدى شعراء ما قبل الإسلام ما يتمردون عليه حتى يعاقبوا بالقتل؟
كان لديهم الكثير…
ثلاثة من الشعراء عاشوا قبل الإسلام، وهم: امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شدّاد. والثلاثة تمرّدوا، وكانوا خارج القبيلة:
أوّلُهم امرؤ القيس، أمير مخلوع تجاسر وتخطّى المتعارَفَ عليه، وقال شعراً لا يقبله أسياد البلاط. لقد «ضيّعه أبوه صغيراً، وحمّله همّهُ كبيراً»!

*****

الثاني طرفة بن العبد، تجاوز الأصول العقائدية، فهزئ من الاعتقاد السائد بأنّ طائراً اسمه «الهامة»، يخرج من رأس القتيل، ويصرخ «اسقوني… اسقوني»، حتى يؤخذ بثأره، وهو القائل:
فذرْني أروّي هامتي في حياتها
ستعلم إن متنا، صدى أيّنا الصدي
ونادى بمذهب اللذّة حين قال:
وما زال تشرابي الخمورَ ولذّتي
وبيعي، وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحاشتني العشيرة كلُّها
وأُفْرِدْتُ إفرادَ البعيرِ المعبّدِ
ولولا ثلاثٌ هنّ من لذة الفتى
وجدِّك لم أحفلْ متى قام عوّدي
ثَمّ يعدّد اللذّات الثلاث: الخمرة، النجدة، والمرأة.

*****

وأمّا الثالث فعنترةُ بنُ شدّادٍ الذي سعى ليكون حرّاً في قَبَليّةٍ عرقية لا تقرّ بحريّة السود، ولا بحريّةِ من كانت أمُّه أمَةً.
تُغزى قبيلة عبس، وعنترةُ لا يحرّك ساكنًا، ويعلو صوت أبيه:
ويحك يا عنترةُ… كُرَّ.
ويأتي الجواب:
العبد لا يحسن الكرَّ، إنما يحسن الحلابَ والصرَّ.
ويصرخ أبوه:
ويحك… كرّ، وأنتَ حرّ.
ويكرّ عنترةُ، وتردّ القبيلةُ الغزاةَ على أعقابهم، ويُعتق عنترةُ.

*****

ضمن هذه الحرية التي وفّرها عصر ما قبل الإسلام، كان الشاعر ينطق باسم قبيلته، ويدافع عن امتيازاتها، ويطالب بحقوقها، ويمدح حلفاءها، ويهجو أعداءها، لكنه، في الوقت ذاته يشير إلى عيوبها، ويطالب بحقوقه كما فعل عنترةُ، وكما فعل طرفة عندما ظلمه عمومته فأنشد متألماً:
وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً
على المرء من وقع الحسام المهنّد ِ

*****

هكذا كان شعراؤنا في العصر الجاهلي كما يسمّونه، كانوا صحافيّي القوم، وكانوا أصحاب رأي!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى