سنة طوفان… مَن يملك سفينة نوح؟
ناصر قنديل
– مع مرور عام على طوفان الأقصى، دخل العالم كله في طوفان فوائض القوة ورسم الخرائط والمعادلات والتوازنات، وجرى استدعاء آخر مخرجات التكنولوجيا والاستناد إلى أدنى معايير الأخلاق لاستعادة التوازن الذي أفقده الطوفان قبل سنة لكيان زرع في المنطقة قبل قرن ليكون ممثلاً أعلى لمصالحه، وسيداً أعلى فوق حكوماتها وشعوبها، وسداً عالياً بوجه أي مشاريع عابرة للحدود تجمع أبناء المنطقة حول مشروع استقلال ونهوض، وعنصر بثّ للفتن وتشجيع على الحروب الأهلية وتقسيم المقسّم واستيلاد إسرائيليات صغيرة تدور في فلكه.
– خلال عام امتدّت مياه الطوفان وغمرت بالمتظاهرين شوارع الغرب كله، وأغلقت اعتصامات التضامن مع فلسطين صفوف الجامعات، وأعاد الطوفان صياغة الثقافة العالمية حول الحق والمظلومية بين الكيان والشعب الفلسطيني، وحول معايير التوازن بين القوة والأخلاق، بين جيش الاحتلال والمقاومة، وربحت فلسطين. وخلال عام ظهرت إلى الساحة صيغة عربية إسلامية جديدة اسمها محور المقاومة أخذت على عاتقها نصرة فلسطين ومقاومتها وشعبها، فخرج الفقراء ينتصرون للفقراء، وغاب أغنياء العرب وجيوشهم ودولهم العظمى عن المشهد. ونجح المحور الجديد في تكبيد الكيان خسائر إضافيّة لخسارته الأولى للردع يوم الطوفان، وبات الكيان أمام عقد مستعصية لم يستطع رغم الدعم الأميركي والغربي اللامحدود، بل والشراكة الأميركية والغربية المباشرة، أن يمتلك وصفة لتجاوزها، كانت أهمها عقدة البحر الأحمر وتحدي الردع الأميركي فيه، وفرض نوع من الحصار الاقتصادي بفعل ذلك على الكيان، وكانت عقدة الأسرى واستردادهم بالقوة، عقدة بقاء قوة المقاومة قادرة على فرض إيقاعها العسكري في قطاع غزة، وقد تحوّلت إلى عنصر ضغط داخلي في الكيان طلباً لاتفاق يضمن وقف الحرب الفاشلة وإعادة الأسرى، وتوج ذلك كله بما فعلته جبهة لبنان من استفزاز لمزاعم قوة الاحتلال يومياً بإطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلة والتسبّب بتهجير مستوطنيه.
– تسبّب التعثر الذي تسبّب به الطوفان ومحور المقاومة للكيان، لإعادة صياغة التموضع الأميركي في المنطقة، من ضفة العمل على تجميد الشرق الأوسط للتفرّغ لمواجهة روسيا والصين، إلى السعي لمنع هزيمة الكيان وتثبيت الحضور في الشرق الأوسط كشرط لمواجهة روسيا والصين، ومع دخول أميركا مباشرة كطرف في الحرب وليس كمساند للكيان فقط، واعتبار قوة المقاومة في لبنان القوة المحوريّة المطلوب إضعافها لتغيير موازين القوى، ورمي الثقل الأميركي الأمني والاستخباري والمعلوماتي والسيبراني لتوجيه ضربات قاتلة لهذه المقاومة، استعاد الكيان التقاط أنفاسه، وولد توازن جديد، لكن المنطقة تحوّلت إلى الساحة الرئيسيّة في صياغة التوازنات الدولية الجديدة التي سوف تحكم العالم، وكان على إيران أن تنتبه لموقعها ودورها على هذا الأساس، خصوصاً بعدما أفسحت المجال، بتأجيل ردّها على اغتيال القائد الفلسطيني إسماعيل هنيّة على أراضيها، لمنح الدبلوماسيّة فرصة التوصل الى اتفاق ينهي الحرب على غزة، فجاءها الجواب باغتيال قائد المقاومة في لبنان وحليف إيران الأبرز السيد حسن نصرالله، وجاءت الضربة الإيرانية للكيان لتعيد التوازن مرة أخرى بين محور المقاومة والكيان، ومعه أميركا هذه المرّة كشريك في الحرب وليس كداعم فقط.
– نهضت المقاومة اللبنانية من رماد الحرائق التي أشعلها الأميركي والإسرائيلي، وأثبتت قدرتها على مواصلة إطلاق الصواريخ على الشمال دون توقف وبانتظام، وزادت جرعاتها، رغم كل ما لحق بها من ضربات، ما جعل التحدّي البرّي استحقاقاً داهماً أمام جيش الاحتلال، بمثل ما فرض عليه الرد الإيراني استحقاق الرد لترميم صورة الردع التي انتهكتها عشرات الصواريخ الإيرانية، وصارت المنطقة على عتبة نهاية سنة الطوفان، على موعد مع ساعات وأيام فاصلة متسارعة، لمعرفة كيف سيُخرج الأميركي من جيبه أرنباً سياسياً أو عسكرياً جديداً يمنع به انكشاف الكيان أمام هزيمة مدوية، مرة أخرى، قد تكون لها تداعيات وجودية يصعب تفاديها مع تجذّر الحرب وإيقاعها لسنة كاملة.
– محور المقاومة المنفتح على الحلول الدبلوماسية بشروط المقاومة في غزة، جاهز لمواجهة التحديات العسكرية، والسنة الثانية من الطوفان أمام فرضيّة أن تكون سنة الحرب الكبرى، أو سنة رضوخ واشنطن وتل أبيب للمعادلات الجديدة، والتموضع عند حدود توازناتها، والسؤال مع اتساع مدى الطوفان أفقياً وتلاطم أمواجه عمودياً، هو من يملك سفينة نوح للنجاة؟