أخيرة

دبوس

محرّمات استراتيجية

 

لم ألحظ في تاريخ الصراعات بين الأمم طرفاً من أطراف أيّ صراع يرتكب هذا القدر من المحرّمات الاستراتيجية كما هذا الكيان الصهيوني المارق، ولا يمكن ان يقع في هذا الكمّ من المحرّمات إلّا من هو يائس أدرك حتمية النهاية، ويقبع هناك عميقاً في وعيه وفي لاوعيه بأنه ولَج منطقة لا تتفتّق إلّا عن حتمية الزوال والتلاشي، فهو وبمحض إرادته، وطائعاً مختاراً، قرّر أن يخسر الشارع العالمي، ويحطّم بممارساته سرديّة مظلوميته، وكونه محاطاً بأعداء قساة القلوب، يريدون أن يقذفوه في البحر بلا رحمة، وهو قرّر ان يخوض حرباً طويلةً بلا أفق وبلا نهاية، ومن دون ان يحقق أيّ من الأهداف الاستراتيجية الموضوعة من قبل المستوى السياسي، متناقضاً تماماً مع عقيدة الحرب الخاطفة التي انتهجها على مدى عقود ومنذ إنشائه، وهو قرّر أيضاً ان يخوض الحرب على عدة جبهات تناقضاً مع كلّ ما تقتضيه حكمة فلاسفة الحرب على مدى التاريخ، وأخيراً وليس آخراً، فلقد قرّر أن يعود الى المستنقع اللبناني، والذي سبق وأذاقه مرارة الهزيمة منذ أقلّ من عقدين…
فنتنياهو كما يبدو ليس مقتنعاً بمقولة، «اللي بيجرّب المجرّب عقله مخرّب»، وهو مصمّم على ان يأكل علقةً أخرى على التراب اللبناني، وهو يظنّ بأنه يستطيع، وباستخدامه ما أدعوه، البلطجة التكنولوجية، إخضاع الشعوب، وإجبارها على الاستسلام…
في الفيزياء، لكلّ فعل ردّ فعل، مساو له في القوة، ومضاد له في الاتجاه، مع تعديل بسيط أسمح لنفسي بإجرائه، ففي المنطقة الإنسانية، ردّ الفعل قد يتطلب زمناً، حتى تُستجمع الذات، وتُستفز الطاقات الكامنة، إنهم يكيدون كيداً، وأكيد كيداً، فمهّل الكافرين أمهلهم رويدا…
لم يطرأ على بال مؤسس الكيان الأحمق، ديفيد بن غوريون، حينما أطلق مقولتين ثبت بعد ذلك، حجم السذاجة وضحالة التفكير، التي يتمتع به هذا الصهيوني، فهو قدّر أولاً أنّ الكبار سيموتون، والصغار سينسون، مات الكبار، وانبعث الصغار أشدّ شراسةً وقدرةً على التضحية من أولئك الذين عايشوا النكبة، لأنّ فلسطين تحوّلت من قضية عقائدية لدى الأجيال التالية، إلى قضية جينية، إذ يبدو انّ التراكمات الكمية تحوّلت الى تغيّر كيفي، والمقولة الثانية التي أطلقها مؤسس الكيان اللقيط، أن «إسرائيل»، وبعد بضعة عقود من الزمن، ستكون مقبولةً لدى المحيط العربي، وستصبح «كياناً طبيعياً» منسجماً مع شعوب المنطقة، وهو فعلاً أصبح منسجماً مع الأنظمة الصهيونية العربية التي وضعت علينا قسراً…
أما في ما يتعلق بالشعوب، فالكراهية والرفض لهذا الكيان، هي آخذة بالتفاقم مع الأيام، حتى غدا مع الوقت أكثر منبوذية وعزلة ولامقبولية أكثر من أي وقت مضى، هو كالثمرة الفجة العفنة النتنة المليئة بالدود، الكلّ ينظر إليها ويتوقّع سقوطها في أية لحظة.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى