أولى

كي لا تغيب الحقيقة وسط خلافاتنا الثانوية

‭‬ بشارة مرهج

كي لا تطغى علينا الشائعات المفبركة «والخبريات» المجتزأة ينبغي توضيح بعض الأمور الأساسية حول مجريات الصراع القائم وثوابته التي يجري التعتيم عليها من قبل إعلام منحاز دأبه تشويه الحقائق.
إنّ تصعيد الكيان الصهيونيّ لحربه الهمجية ضدّ لبنان وتركيزه على قتل المدنيّين وتدمير العمران وتعطيل المؤسسات هدفه تأليب الناس على المقاومة وتحميلها مسؤوليّة الخسائر الفادحة التي تحلّ بلبنان في ظلّ تقصير حكومي مريع عن مساعدة النازحين (باستثناء وزارة الصحة). وإذ يرمي العدو من كلّ ذلك الى إذكاء نار الخلافات بين اللبنانيين ودفعهم الى الصراع في ما بينهم يبقى هدفه الأبعد إسكات صوت المقاومة في المنطقة وتحويل لبنان الى كيان هزيل ممزّق عاجز عن معالجة أوضاعه أو القيام بدوره في تحرّر المنطقة ونهضتها.
فالكيان العبري، الذي انكشفت ديمقراطيته الزائفة واتضحت وحشيته على الملأ، ليس من مصلحته بقاء لبنان رمزاً مضيئاً في المنطقة ونموذجاً للتعددية الحضارية فيها، وإنما مصلحته في كسره وإطفاء شعلته وإلحاقه بكيان عنصريّ يحلم بإقامة دولته اليهودية الخالية من أيّ وجود فلسطيني، ولو كلفه ذلك تحدي العرب والمسلمين وشعوب الأرض قاطبة. فالوجود الفلسطيني لا يعني له سوى أرقام بالملايين يجب توزيعها على الأردن ولبنان وسورية ومصر سواء بإرادة هذه الأنظمة أو غصباً عنها.
فهذا العدو، الذي وضع خططه الاستراتيجية منذ زمن بعيد، لا يعرف سوى الهجوم والتوسّع وإن سمّى جيشه بـ «جيش الدفاع الإسرائيلي». ومعرفته هنا لا تحتمل الاجتهاد. فطالما هو لا يعلن حدوده وملزم بالتوسع فإنه ملزم أيضاً، بحكم طبيعته العنصرية، باتباع سياسة هجومية تستفيد من كل سانحة أو من كل ردّ فعل طبيعيّ يظهر في الجانب المتضرر. وعندما يكون هدفه الاستيلاء على القدس وأكنافها وإحلال الهيكل المزعوم محلّ المسجد الأقصى المبارك فإنّه لا يتوقف عن هجومه وإنْ اعترضت الأردن أو امتنعت السعودية أو تحفّظت مصر أو عبّرت كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا عن «قلقها» السخيف حيال ما يجري من «نزاعات» بين أطراف عربية ترفض الإذعان والاستسلام وبين كيان هو من صلبهما وامتداد لهما. فليس المهم لديه رأي الناس او ردود فعلها وإنما تحقيق مشروعه التاريخي القائم على تثبيت الاستيطان والتوسّع وإرهاب الدول العربية وزعزعة بنيانها الاجتماعي والسياسي وتغيير معتقداتها وتكريس الردّة في مناهجها.
فالمعركة المستعرة الآن في فلسطين ولبنان ليست لتغيير الأنظمة السياسيّة فحسب، بل أيضاً لإيجاد شرق أوسط جديد يسلّم بكلّ ما تريده تل أبيب وينسجم مع رغبات واشنطن ومصالحها خاصة في ما يتعلق بـ «تغطية» ديونها المتزايدة على وقع الساعة.
هذا باختصار شديد واقع الصراع المرير الذي تحوّل في أحد جوانبه إلى محنة يعيشها لبنان وفلسطين وباقي الشعوب العربيّة ولو على درجات بسبب تفاوت أشكال العدوان والحصار والابتزاز.
لكل ذلك يجب تركيز الأنظار على هذا الواقع والبحث من خلاله وفي إطاره للتصدّي له ومقاومته، دون الانزلاق إلى أمور جانبية أو ثانوية، قد تكون مهمة، لكن الانزلاق إليها يصبّ حتماً في غير مصلحتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى