الحرب مستمرة…
سعادة مصطفى أرشيد*
حالة من الفراغ السياسي الدولي نادر الحدوث تسود العالم وخاصة في بلادنا وفي أجواء دخول الحرب المجنونة التي تشنّ على الأمة والعالم العربي عامها الثاني. فالولايات المتحدة غائبة لأسباب تتعلّق بهزال الإدارة الديمقراطية الأميركية طيلة السنوات الأربع الماضية، ثم بسبب المعركة الانتخابية الرئاسية القريبة والتي تبدو فيها فرص المتنافسين متقاربة. فروسيا منشغلة بحربها مع أوكرانيا وتكتفي بالمراوحة في سورية وللحفاظ على مصالحها لا على المصالح السورية، والصين بطيئة وحريرية في سياستها بطبعها وتعتمد على التسلل الناعم دون التورط باتخاذ مواقف، أوروبا تزداد هامشية والتحاقاً بالسياسة الأميركية فيما عرب التطبيع ما بين داعمين لدولة الاحتلال وما بين صامتين بطريقة تعني إعطاء الدعم للطرف (الإسرائيلي).
في محور العدوان هذا لا نجد إلا قوياً واحداً وهو بنيامين نتنياهو الذي لا يلتفت هو أو حلفاؤه الدوليون، ولا يأبه بقواعد السياسة الداخلية في دولة الاحتلال وهو القائد السياسي والعسكري الفرد في تل أبيب، متلاعباً بالأحزاب السياسية والهيئة البرلمانية لديه، ومتحرراً من ضغوط الحلفاء والداعمين لا بل انه من يقودهم باتخاذ مواقف مغايرة لما يريدون ومع ذلك يلزمهم بالسير وراءه، فهو القاطرة التي تجر العربات وراءها، مذكراً إياهم في كل حين، بأنه يخوض حرباً بالنيابة عنهم، حرب محور ومعسكر النعمة في مواجهة محور ومعسكر النقمة والإرهاب.
يريد نتنياهو المضيّ بالحرب دون إضاعة وقت أو أي توقف مؤقت. فالمعارك في غزة متواصلة بالقصف وتدمير ما هو مدمّر وكذلك في الهجوم المتواصل على الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق عديدة في لبنان خارج قواعد الاشتباك القديمة، وكأنه يرى أن كلاً من غزة ولبنان امتداد للآخر، كذلك على خطوط النار في جنوب لبنان حيث يسعى لتحويل الاشتباك العنيف إلى حرب مفتوحة قد يصل بها الى شمال الليطاني وقد يجنح به خياله لأن يصل بها إلى بيروت لتحقيق الأحلام القديمة لسلفه ارئيل شاروون بتغيير التركيبة السياسية اللبنانية وبفرض رئيساً عميلاً على اللبنانيين.
يريد بنيامين نتنياهو من خصميه اللدودين، المقاومة الفلسطينية في غزة والمقاومة اللبنانية الاستسلام المطلق من كليهما أو من أحدهم على الأقل، وانهيار اي منهما يعني انهيار الآخر كما يعني تفكك محور المقاومة. هذا الاستسلام إن حصل من شأنه إفقاد المقاومة العراقية والمقاومة اليمنية مبررات الاستمرار في المواجهة وهو يعني بشكل أكبر ضرب نظرية التمدد الإيراني.
ومع الرغبة (الإسرائيلية) في استمرار الحرب ومع دخول الحرب عامها الثاني فإن المقاومة الفلسطينية لا زالت قوية ونشطة كما في أيامها الأولى وتبدي قدرة على استخدام تكتيكات جديدة وقد عادت بقوة لجباليا وشمال غزة ولأن تكون ساحة مواجهة عنيفة، بعد إعلان جيش الاحتلال القضاء على المقاومة فيها المرة تلو المرة، وحسب ما يقول الجيش (الإسرائيلي) إن فيها الآن ما يزيد عن 5000 مقاتل مدرّب ومجهّز، فيما تؤكد الإحصاءات (الإسرائيلية) أن 85% من المستوطنين الذين كانوا يعيشون في غلاف غزة لن يعودوا إليه ولا بأي حال من الأحوال.
في لبنان حيث تلقت المقاومة اللبنانية ضربات بالغة القسوة إلا أنها لم تكن قادرة على إماتتها أو إضعافها أو إجبارها على تحويل مسارها والتوقف عن مشاغلة العدو ودعم المقاومة الفلسطينية وإسنادها. هذا ما كان واضحاً أن في أدائها الميداني ومما يصدر من تصريحات سياسية كان آخرها خطاب الشيخ نعيم قاسم.
في الميدان نرى النهوض العسكري السريع والتركيز على قصف حيفا وجوارها وتهجير مزيد من المستوطنين من حيفا والشمال إلى المركز الذي أصبح يعيش فيه معظم المستوطنين اليهود في فلسطين المحتلة والذي لا تزيد مساحته عن 10% من مساحة فلسطين الانتدابية كذلك في تخلّيه عن الحذر في إصابة المدنيين، من جانب آخر فإن الاشتباكات في الجنوب التي تعتمد القتال المباشر فإن الإعلام الإسرائيلي يؤكد أن المقاومة تحقق فيها تفوقاً نوعياً.
أكد الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير ما هو مؤكد بأن المقاومة قد ملأت الفراغات التي حصلت بسبب عمليات الاغتيال واستشهاد القادة، وعلى أن المواجهة مع الاحتلال ماضية حتى تتوقف الحرب على غزة. لم نعرف من ذلك الخطاب إن كان قد جرى انتخاب أمين عام جديد ولكن يبدو أن هناك قيادة مشتركة. المهم اليوم وفي هذا الوضع الدقيق هو القيادة، لا القائد الرمز الذي سيأتي دوره في مرحلة مقبلة، وبدا من خطاب الشيخ نعيم قاسم أن ثمة فراغاً مؤقتاً في إدارة الملف السياسي ولذلك تم إيكال الملف لحليفهم رئيس مجلس نواب اللبناني.
تتسارع الأحداث وتذهب باتجاه ارتفاع حرارة الجبهات وما علينا إلا الاستمرار بها فهي طريق من اتجاه واحد.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة