طرابلس… عاصمة لثقافة الوطن الواحد
عبير حمدان
تستقبل «أم علي» الوافدين وتقول إنهم «الزوار» لقناعتها بأنهم ليسوا نازحين إنما هم أبناء الوطن الواحد الذي ترسم مقاومته درب الانتصار الكبير.
في منزلها المتواضع الغير مفروش شمال لبنان، وجدت عائلات قادمة من ضاحية بيروت والبقاع الأمان المؤقت وشيء من الدفء ففي زمن الحرب يكفي أن يتمكن المرء من إبعاد الأطفال عن دائرة الدمار وهو أصوات قنابل العدوان الحاقدة.
لم تكن فكرة التأقلم مع الواقع المفروض على القادمين من مناطق «الخطر» بالأمر السهل لكن المرحلة تتطلب منهم عزيمة مضاعفة ترسخ قناعتهم بأنّ هذا الوقت سيمضي وستكون عودتهم قريبة، فكان قرارهم بأنّ فعل التكيّف مع ظروف الحرب شكل من أشكال المقاومة في جانبها الاجتماعي.
هنا يصبح التعاطي مع أبسط مقومات الحياة اليومية حالة عامة وقائمة ولعلّ من هم أوفر حظاً الذين وجدوا بيتاً يقيهم الحرّ الحالي والبرد الآتي في مقابل آخرين اتخذوا من الشوارع والأرصفة البعيدة نسبياً عن دائرة الاستهداف اليومي ملاذاً لهم حيث أنّ المدارس في بعض المناطق لم تعد تتسع للوافدين.
جزء من القادمين الى طرابلس وقراها يتعرّف عليها لأول مرة وقد يقول لنفسه حبّذا لو تعرّفت الى شمال الوطن في مناسبة أفضل.. وحين تجول في شوارع المدينة تدرك أنّ الزحام تضاعف ولكن الوجوه لا تختلف بين محافظة وأخرى فالملامح تؤكد أنّ الهمّ واحد والقضية واحدة، ففي كلّ المحال التجارية وعلى عربات الخضار عيون مرحبة وغياب لفعل المتاجرة والاستغلال.
طرابلس التي احتضنت على مدار العام المنصرم نشاطات ثقافية ضمن إطار إعلانها عاصمة للثقافة العربية هي اليوم تتوّج فعالياتها باحتضان أهل الجنوب والبقاع والضاحية وفي ذلك ثقافة حياة تتخطى الأمسيات الشعرية والأدبية والموسيقية والندوات الفكرية، وتؤسّس مداميك بناء وطن بلا حواجز بين أبنائه وحين تسقط الحواجز النفسية أمام فعل الصمود يتعبّد طريق العودة الى البيوت ولو كانت ركاماً بإرادة الشعب المؤمن بقدرات مقاومته ووعد سيدها الشهيد أننا «قطعاً سننتصر».