أولى

لبنان في مواجهة حرب تموز ثانية أميركية «إسرائيلية» والمقاومة تظهر قوّتها وتطبق معادلاتها

حسن حردان

لم يعد دور واشنطن مرتبطاً في دعم شنّ «إسرائيل» الحرب على لبنان، من وراء الستار، او مقتصراً على دعم عملية محدودة في جنوب لبنان، بل انّ واشنطن ذهبت إلى الحدّ الذي تعلن جهاراً عبر بيان رسمي للخارجية الأميركية تبني كامل الأهداف الإسرائيلية الساعية إلى ضرب بنية حزب الله وكسر ما أسمته قبضته في الداخل اللبناني، وتحريض اللبنانيين ضدّه، بهدف إحداث تغيير جذري في موازين القوى الداخلية بما يمكن القوى التابعة لأميركا، والتي لا تخفي عداءها للمقاومة وتماهيها مع الأهداف الأميركية، من محاولة استثمار الاغتيالات التي استهدفت قادة أساسيين في المقاومة وفي طليعتهم أمين عام حزب الله وقائد ورمز المقاومة سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، والسيطرة على مقاليد السلطة عبر انتخاب رئيس موالٍ لواشنطن، وتشكيل حكومة تنفذ الإملاءات الأميركية والمطالب الإسرائيلية.. بنزع سلاح المقاومة، ايّ تحقيق ما عجزت عنه الحرب الأميركية الإسرائيلية في عدوان تموز عام 2006…
لذلك يمكن القول إننا أمام حرب تموز ثانية، أميركية ـ “إسرائيلية”، وأهدافها باتت واضحة وهي العمل لأجل سحق المقاومة والقضاء عليها وتغيير نظام الحكم في لبنان على غرار ما حصل خلال اجتياح لبنان عام 1982.. وصولاً إلى إحياء مشروع “الشرق الأوسط الجديد”…
لكن هل ستتمكن كلا من واشنطن وتل أبيب من تحقيق ما عجزتا عنه في تموز 2006؟
رغم الضربة الموجعة والمؤلمة والخسارة الكبيرة التي أصابت المقاومة باغتيال قادتها وآخرهم قائدها ورمزها، إلا انّ قيادة المقاومة وحزبها حزب الله نجحت في استيعاب هذه الضربة والخسارة، وإعادة تنظيم وترتيب صفوفها وملء الشواغر التي أحدثتها الاغتيالات، وتأكيد قدرتها على التماسك ومواصلة تنفيذ استراتيجيتها في مواجهة العدوان الصهيوني على لبنان، لإحباط أهدافه وتحقيق النصر عليه.. وهو ما عكسته مضامين كلمة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في ثاني إطلالة له بعد اغتيال سيد المقاومة، إنْ كان لناحية تأكيده على تماسك الحزب وانتظام عمل جميع مؤسساته، لا سيما منظومة القيادة والسيطرة والتحكم.. والذي جرى إثباته مباشرة بعد انتهاء كلمة الشيخ قاسم، عبر قيام المقاومة بقصف مدينة حيفا المحتلة بأكثر من مائة صاروخ، مما اعتبرته وسائل إعلام العدو بأنه أعنف قصف يحصل منذ بداية الحرب.. كما لوحظ انّ ذلك قد أعقبه أيضاً بيان صدر عن غرفة عمليات المقاومة يؤكد على ما صدر عن نائب الأمين العام حول جهوزية القوة الصاروخية لاستهداف كلّ مكان في فلسطين المحتلة تقرّره قيادة المقاومة عبر منظومة القيادة والسيطرة التي عادت أقوى وأصلب مما كانت عليه.. والتأكيد أنّ تمادي العدو «الإسرائيلي» في الاعتداء على أهلنا الشرفاء في كلّ بقاع لبنان الصامد، سيجعل من حيفا وغير حيفا بالنسبة لصواريخ المقاومة بمثابة كريات شمونة والمطلة وغيرهما من المستوطنات الحدودية مع لبنان، وهذا ما شاهده العدو ومستوطنوه في حيفا ومحيطها..
على أن ما جرى بعد ذلك من تكثيف المقاومة ضرباتها الصاروخية بعنف وشدة ولا سيما باستهداف المدن الرئيسية في الشمال الفلسطيني المحتلّ، وفي الطليعة مدينة حيفا عاصمة الشمال والقلب الاقتصادي للكيان، إلى جانب مدن صفد وطبريا، والكريوت، والمستعمرات في عموم الشمال، وإرفاق ذلك بعرض مشاهد جديدة للهدهد تحدّد بدقة أهداف حيوية في حيفا عسكرية واقتصادية ومدنية، إنما يؤشر إلى بدء قيادة حزب الله ترجمة استراتيجية مواجهة العدوان الصهيوني الإرهابي الإجرامي الذي تجاوز كلّ الخطوط الحمراء والقواعد بقصفه العشوائي المدمّر لمدن وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وردّ المقاومة بقوة على العدوان، وفي إطار العمل على وضع معادلة حيفا مقابل الضاحية، ومدن الشمال مقابل مدن الجنوب والبقاع، والمستعمرات الصهيونية، مقابل البلدات والقرى اللبنانية.. هذه المعادلة التي يبدو أنّ المقاومة بدأت تنفيذها بفعالية ظاهرة للمراقبين، عكست قوة المقاومة وقرار قيادتها تدفيع العدو ثمن عدوانه وانتهاكه لكلّ المحرمات والقواعد.. وفي نفس الوقت أكدت انّ قدرات المقاومة الصاروخية لم تمس رغم كثافة الغارات الصهيونية التي استهدفت مواقع المقاومة في الجنوب.. أما في ميدان المعركة البرية، فقد أثبت المقاومون أيضاً قدرتهم على توجيه الضربات القوية لقوات النخبة في جيش الاحتلال، التي تحاول منذ نحو أسبوع التقدم باتجاه القرى الحدودية من عدة محاور، لكنها تواجَه بالصواريخ الموجهة وبمقاومة ضارية أوْقعت في صفوفها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.. وأجبرتها على التراجع وطلب المساعدة من الطيران والمدرعات…
هكذا فإنّ المشهد الميداني في اليومين الأخيرين تبدّل على نحو ملحوظ، إنْ كان لناحية تكثيف المقاومة ضرباتها الصاروخية على مساحة الشمال الفلسطيني وإيقاع القتلى والجرحى في صفوف المستوطنين، او كان لناحية التحام المقاومين مع جنود العدو في معارك ضارية وُصفت من بعض الصحافيين بأنها حامية الوطيس.. فيما يبدو تأكيد على أنّ حزب استعاد زمام المبادرة وتجاوز مرحلة الصدمة التي تعرّض لها على أثر الضربات الأمنية والاغتيالات.
ماذا يعني ذلك؟
أولاً، إنّ العدو، الذي أراد إعادة المستوطنين إلى مستعمراتهم في الشمال، بات اليوم يواجه، ليس فقط الفشل في تحقيق هذا الهدف، وإنما ايضاً أمام مواجهة نزوح أعداد كبيرة إضافية من المستوطنين وتفاقم أزمة النزوح وما تعنيه من مشكلة مضاعفة بالنسبة لحكومة العدو..
ثانياً، ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجنود والمستوطنين، يعني انّ تصعيد نتنياهو بدلاً من وقف النزف في جبهة الشمال، أدّى إلى نتيجة عكسية، ايّ زيادة منسوب الاستنزاف مما سيضغط على الداخل الاسرائيلي ويعيد تدريجياً إلى الواجهة مأزق الفشل، وتلاشي الإنجازات التكتيكية التي حققها نتنياهو عبر العمليات الأمنية والاغتيالات..
ولهذا عاجلاً اما آجلاً سيكون نتنياهو أمام مواجهة نتائج فشله في وقف صواريخ المقاومة، وفقدان المستوطنين الأمن والاستقرار في كلّ الشمال، واستطراداً عجز نتنياهو عن تحقيق تعهّده إعادة المستوطنين إلى المستعمرات في غضون ثلاثة أسابيع.. وبالتالي تبدّل الإجماع على تأييد الحرب ضدّ حزب الله، وعودة الانقسام والمطالبة بإيجاد حلّ سياسي بعد أن يتبيّن للمستوطنين، بشكل لا لبس فيه، فشل الرهان على إضعاف حزب الله ومقاومته، وإخضاعه للشروط «الإسرائيلية»، وانّ حجم النزف الذي تعاني منه “إسرائيل” من استمرار الحرب مع حزب الله سيكون أكبر بكثير من الحرب في غزة.. بسبب ما تملكه المقاومة في لبنان من قدرات وإمكانيات قتالية وصاروخية قادرة على إدامة قصف مدن ومستوطنات الاحتلال وتوسيع دائرة القصف لتشمل العمق الصهيوني، إذا تطلب الأمر ذلك، وقادرة أيضاً على استنزاف جيش الاحتلال على نحو غير مسبوق في المعارك البرية كلما توغل جنود العدو داخل المناطق الجنوبية حيث رجال المقاومة أعدّوا العدة لإغراقهم في بحر من الاستنزاف، وإلحاق الهزائم بهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى