مقالات وآراء

مقبولة مردودة…

علي بدر الدين

دخل النزوح أسبوعه الثالث والوضع بيانياً يتجّه من سيّئ إلى أسوأ، نفسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعيشياً ومالياً، بعد أن نفذ «القرش الأبيض لليوم الأسود» أو في طريقه إلى النفاذ، لأنّ النازح الذي «خرج» من بيته تحت ضغط الرعب والقصف، ربما لم يخطر له أنّ «غربته» ستطول، أو لم يفكّر في «لحظتها» أنّ ما توفّر معه من مال قد لا يكون كافياً للصمود ومواجهة رحلة النزوح الشاقّة والمُكلفة، أو أنّ ما «صمّده» من مال في مشوار حياته العملية هو كلّ رصيده وكلّ ما يملكه، بعد أن سرق تواطؤ السلطة ومصرف لبنان وأصحاب المصارف الخاصة أمواله التي أوْدعها في هذا المصرف أو ذاك.
الحرب «الإسرائيلية» المتوحّشة على لبنان والنزوح واحد من تداعياتها الكارثية كشفت المستور وأحرجت العائلات النازحة تلك التي كانت «تقضي حوائجها بالكتمان» وكذلك أصحاب الدخل المحدود والمهن الحرة التي تضرّرت وتوقّفت عن العمل والإنتاج، بعد أن نزح العاملون فيها.
فكيف يتصرّف أو «يعيش» النازحون أو الصامدون الذين لا دخلَ مادياً لديهم سوى من الخيّرين أو من المغتربين المقتدرين من أبناء بلداتهم، وقد زادت مسؤولياتهم في مثل هذه الأوضاع الصعبة والنزوح المتكرّر بفعل العدوان الإسرائيلي المتمادي والمستمّر الذي يلاحق النازحين بصواريخه، وينذرهم بإخلاء هذه المنطقة أو تلك؟
ماذا سيفعل النازحون الذين اضطروا أو أُجبروا على استئجار البيوت بأسعار استغلالية من بعض الجشعين الطمّاعين «عبدة» الدولار الذين لا رحمة في قلوبهم؟ كيف سيؤمّنون تكاليف الكهرباء والماء والأدوية والمأكل والملبس وجميعهم خرجوا من منازلهم باللباس الصيفي والشتاء بات على الأبواب؟ وكيف سيدفعون كلفة التدفئة ومن أين يأتون بالقرش الأبيض الذي تبخّر بسبب ارتفاع تكاليف احتياجات النزوح، ومَن بقي معه القليل جداً بالكاد يكفي للغداء والماء والدواء…؟
كيف سيصمد النازحون إذا ما طالت الحرب وطال معها النزوح (لا سمح الله)، إنْ في مراكز الإيواء أو في البيوت المشتركة أو المستأجرة، أو الذين يفترشون الشوارع على الأرصفة أو «يقيمون» تحت ظلّ شجرة أو «خيمة» من قماش مهترئ ومرقّع، منخفضة السقف وصغيرة الحجم (رأيتها عن قرب)، في مشهد يُدمي القلب ويُدمع العين؟
هل من يفكّر بالخطر الآتي على النازحين، وهل من خطط بديلة وضعتها الجهات الرسمية والأهلية المعنية مباشرة بالنزوح لمواجهة ما هو قادم وصعب ومتوقّع؟ خاصة أنّ «التشكرات» بدأت تهطل كالمطر في عزّ الشتاء، على دول صديقة وشقيقة، قريبة وبعيدة على مساعداتها العينية والمادية للنازحين، فماذا ستفعلون بها وكيف سيتمّ توزيعها وهل ستصل إلى أصحابها أم أنها ستتبخّر أو سيصل للنازحين «من الجمل أذنه» أو ذيله؟
كلّ مواقف وتصريحات المسؤولين حول دعم النازحين ومساعدتهم والوقوف إلى جانبهم وتوفير كلّ مستلزمات واحتياجات النزوح لا قيمة لها، وكلّ الدعوات إلى التحمّل والصبر والأمل والتفاؤل لا تطعم خبزاً، ولا تؤمّن دواء ولا تشفي وجعاً ولا…
المعالجة والحلّ والمساعدة تكون بوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، ووضع حدّ لجرائمها ومجازرها التي ترتكبها بحق المدنيين وتدمير منازلهم وتهجّيرهم من قراهم وبيوتهم.
اللبنانييون لا يريدون مساعدات وإعاشات وحرامات، ما يريدونه هو وقف الحرب الاسرائيلية الهمجية، يريدون الأمن والأمان والسلام، ونقطة عالسطر.
تحضرني قصيدة للشاعر الشهيد موسى شعيب: أيها السادة، يا حكامنا…
شكراً وشكراً
إنها مقبولة مردودة
عٌلَب السردين والجبن
وبودرة الحليب الناشفة
إنها مردودة كلّ مسوح العاطفة
الجنوبُ الراعِفُ المنسيُّ
لن تحميه إسعافاتكم
بل ستحميه الجباه الراعفة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى