الهدهد يعود والمقاومة أقوى…
أحمد عويدات
في الوقت الذي اتسعت فيه المواجهات العنيفة التي يخوضها حزب الله ضد قوات الاحتلال مكاناً وقوةً وتأثيراً، ومع فشل كل محاولات التقدم البري للقوات الغازية وتكبّدها خسائر فادحة في كلّ المواقع التي حاولت اختراقها، ومع تعاظم عمليات المقاومة النوعية في فلسطين المحتلة وبلوغها مستوياتٍ مقلقة للكيان تنذر بوضعه أمام جبهةٍ جديدة ستسبّب حالةً غير مسبوقة من الهستيريا والرعب المجتمعي «الإسرائيلي»، الذي من شأنه أرباك وإفشال كل السياسات الأمنية لنتنياهو وشركائه المتطرفين أسوةً بما حصدوه من فشلٍ ذريع في غزة والضفة؛
تزامناً مع كل ذلك تأتي حلقة جديدة من مسلسل الهدهد، ليعود ومعه مسح جغرافي واسع على مدى أكثر من 150 كم² في عمق مدينة حيفا وجوارها، يظهر فيه بنك أهداف استراتيجية وحيوية اشتملت على قواعد عسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والاستخبارات، وعقد الأنفاق التي تستخدم كمشافٍ في الحرب، ومنصات وأنظمة الدفاع الجوي لمقلاع داوود والقبة الحديدية، وكذلك برج أشكول وجامعة ومصفاة حيفا،إضافة إلى بعض المنشآت الصناعية لأغراضٍ عسكرية.
من الواضح لكلّ متابعٍ لما يحدث من تطورات على الساحة اللبنانية وخاصةً في ساحة المقاومة؛ أن نشر الحلقة الثالثة مما جاء به الهدهد يحمل رسائل ودلالات عديدة أبرزها:
أولاً: أنّ حزب الله تمكن من استعادة المبادرة والتعافي بعد إعادة تنظيم صفوفه وقواه وملء الشواغر القيادية بعد استشهاد القادة الكبار.
ثانياً: تأكيد احتفاظ المقاومة بقدراتها العسكرية البشرية منها والمادية، والاحتفاظ بهيكليتها التنظيمية، ومنظومة الاتصال والتواصل، وإمكانياتها الردعية برغم الضربات التي تلقتها مؤخراً. وهذا ما أثبتته عملياً كمائن المقاومة النوعية وضرباتها الصاروخية المكثفة التي عُدّت بالعشرات في كل رشقة، إضافةً إلى تصدّيها الباسل وإفشالها لكلّ محاولات التقدم البري «الإسرائيلي».
ثالثاً: تكذّيب وتفنيد الادّعاءات «الإسرائيلية» بأنّ ضرباتهم أفقدت حزب الله قدراته بشكل كبير وخاصةً الصاروخية منها بكلّ أنواعها، إلى حدّ «لم يعد الحزب كما كان عليه قبل الاغتيالات التي طالت كبار القادة العسكريين».
رابعاً: خرق وفشل أمني واستخباري وعسكري كبير لمنظومة المراقبة والرصد الراداري ولمنظومات الدفاع الجوي.
خامساً: امتلاك المقاومة قوة الرصد والاستطلاع والمناورة والتخطيط في ظروف بالغة التعقيد.
سادساً: توجيه إنذار للقادة الصهاينة بأن المقاومة ستوسّع من قواعد الاشتباك وحدوده رداً على جرائم الاحتلال في استهداف المدنيين. وبالفعل تمّ ذلك من خلال الرشقات الصاروخية على حيفا وصفد والخضيرة وطبريا.
سادساً: قدرة حزب الله على الوصول إلى منشآت استراتيجية عسكرية ومدنية كمصافي الغاز والنفط ومعامل الكيماويات والتهديد بضربها. وهذا يشير إلى قدرة حزب الله على تحديث الأهداف لاستكمال ما بدأه قبل استشهاد الأمين العام للحزب، كذلك يدلّ على امتلاك الأدوات اللازمة لاستهداف مثل هذه الأهداف.
سابعاً: فضح القيادة الإسرائيلية بإقامة مواقعها ومنشآتها الكيميائية العسكرية ومنصات الصواريخ وسط تجمعات مدنية؛ مما يشكل خرقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يقضي بوجوب حماية المدنيين وإبعادهم عن مكامن الخطر، وهذا ما دأب أركان الكيان على اتهام حزب الله والفصائل الفلسطينية به.
ويُذكر أنه في كلمة وجهها نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم تمّت الإشارة إلى بعضٍ من هذه الدلالات والرسائل الآنفة الذكر وخاصةً ما يتعلق منها بقدرات حزب الله وتمكّن الحزب من تجاوز ما ألمّ به. وما الرشقات الصاروخية الكثيفة التي استهدفت حيفا وخليجها وصفد وطبريا وكافة مستوطنات الشمال إلا تنفيذ محدود لما عاد به الهدهد سيما أنّ بيان الحزب حذّر من «تحويل حيفا إلى كريات شمونة».
بناءً على ما تقدم، لا يمكن لقادة الكيان أن يحققوا على طاولة المفاوضات وعبر المبعوثين والوسطاء ما عجزوا عن تحقيقه تحت النار وفي الميدان. وهذا ما أثبتته المقاومة مؤخراً ببسالة مواجهتها للقوات الغازية وقدراتها على إيقاع أفدح الخسائر بها ومنعها من التقدم براً.
ولا يزال في جعبة المقاومة الكثير الكثير، ولن يستطيع نتنياهو وداعموه الغربيون وشركاؤه المتطرفون المتغطرسون فرض شروطهم بفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، ولا بتنفيذ القرار 1701 وفق الرؤية الأميركية ـ «الإسرائيلية»، ولا بنزع سلاح المقاومة تحت مسمّيات وذرائع واهية يعرفها الجميع، ولا حتى بانتخاب رئيس جمهورية موالٍ لهم.
إنّ حزب الله بقدرته هذه على التعافي السريع أفقد قادة الكيان نشوَتهم بما زعموا أنه انتصار استراتيجي، وما زال يشكل الرقم الصعب الذي لا يمكن تجاوزه في أية ترتيبات، وما زال طرفاً أساسياً فاعلاً في المعادلة الوطنية الثلاثية: الشعب والجيش والمقاومة.
إنّ ما كان يردّده سماحة سيد المقاومة ورمزها الشهيد حسن نصر الله «هيهات مِنّا الذِلّة» و «ما بعد حيفا… وما بعد بعد حيفا» نراه اليوم في تصميم أبنائه البرَرة.