مقالات وآراء

النزوج والوجوه المشعّة باليقين…

 حمزة البشتاوي*

مع تصاعد العدوان والغارات الإسرائيلية على لبنان وخاصة الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، تحرّك معظم الشباب الفلسطيني مثله مثل الشباب اللبناني للقيام بواجب مساعدة وتوفير بعض الاحتياجات الأساسية للنازحين معلنين ما يمكن تسميته حالة طوارئ شعبية لتأمين ما أمكن من الاحتياجات الأساسية للنازحين، معتبرين تحركهم العفوي مساهمة متواضعة من قبلهم في مقاومة العدوان وتعزيز روح الصمود والإسناد لأهل المقاومة التي تقدّم أغلى التضحيات على طريق القدس دعماً لغزة وفلسطين.
ويعتبر الفلسطينيون في المخيمات أنفسهم ضيوفاً مؤقتين لحين العودة إلى ديارهم في فلسطين، لكنّهم اليوم يحاولون مساعدة أصحاب الدار وتاج الرأس وعنوان العزة والكرامة والإباء في أماكن النزوح خاصة القريبة من المخيمات.
ويلاحظ بأنّ أول ما يحصل اللقاء بينهم يبدأ الحديث عن فلسطين والكفاح المشترك المحفور في الوجدان والذاكرة وعلى جدران المخيّمات التي لن تكون بعيدة عما يجري من عدوان على لبنان، ومنذ لحظة نزوح أهل الصبر وأصحاب الوجوه المشعّة باليقين رغم النار والدخان، عمل عدد من الشباب الفلسطيني على تقديم ما يستطيعون تجاههم. ويقول شاب فلسطينيّ من مخيم شاتيلا (رفض ذكر اسمه) كي لا يضيع جهد باقي الشباب: في بداية عمليات النزوح (كنا قاعدين) جاءنا خبر أنّ الناس منذ ساعات على الطرقات وطيران العدو لا يكفّ عن محاولة ترهيبهم. من هنا قلنا علينا التحرّك بالسيارات أو (الموتوسيكلات). ثم علمنا بأنّ هناك نازحين موجودون في المدارس والحدائق فبدأنا نجمع المساعدات لهم، ونحن بذلك لا نقف معهم بل هم يقفون معنا ونحن كنا متفرّجين، وهم دائماً يقدّمون التضحيات من أجل فلسطين. وعملنا على تقديم المياه والعصائر، ثم بعد أن علمنا بوجود عدد كبير من الأطفال قمنا بجمع مواد خاصة بهم. وحين علمنا بوجود نازحين في مدرسة في منطقة تلة الخياط غير مجهّزة ولا يتوفر فيها أيّ شيء تحركنا بين المنازل في المخيم لمن لديه فرشات ومخدّات وشراشف وحرامات وسجاد أو حُصُر وبأقلّ من ساعة حمّلنا شاحنة وأرسلناها إلى المدرسة.
وأكدوا أنّ مبادرتهم شبابيّة وليست فصائليّة. وفي البداية طرقنا أبواب البيوت وجمعنا مواد نقلناها بواسطة 16 توك توك إلى أهلنا الكرام من النازحين، متمنّين أن يتقبّلوا منا هذا العمل البسيط. وختم بقوله: هذه فرصة لنا كي نردّ لهم القليل جداً مما يقدّمونه لنا.
وأيضاً في مخيم مار الياس كان النادي الثقافي الفلسطيني قد فتح مركزه كنقطة استراحة لأيّ عائلة تريد الصلاة وشرب فنجان قهوة وتناول الغذاء، ومن ثم مساعدتها للوصول إلى مراكز إقامة النازحين.
ويقول عمار يوزباشي من النادي الثقافي: إنّ المجتمع الفلسطيني وخاصة الشباب قاموا بردّ فعل عفوية ونزلوا على الأرض قبل المؤسسات وبادروا بإنشاء مراكز استقبال وحملة لتأمين أدوية ومستلزمات أساسية، وكان التجاوب مع الحملة كبيراً جداً. ونحن نقوم بكلّ ما نستطيع القيام به ولو كان بسيطاً مثل توجيه الناس وإرشادهم والتواصل مع المؤسسات لتحديد الأدوار المطلوبة من الجميع.
ومن النادي الثقافي الفلسطيني في طرابلس يقول أسامة العلي: نحن نعمل في مخيمي نهر البارد والبداوي والجوار ولدينا فريق متطوّع يعمل على مدار 24 ساعة لاستقبال النازحين من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت وهم مثال للأحرار وأصحاب عزة وكرامة ويعانون بسبب التزامهم الثابت بالقضية الفلسطينية ونحن نلتزم وطنياً وأخلاقياً بأن نقدّم لهم ما نستطيع لمن قدّم الغالي والنفيس من أجل القدس وفلسطين.
وعلى صعيد عمل المؤسسات الأهلية الفلسطينية يقول قاسم عينا مدير عام مؤسسة بيت أطفال الصمود والذي شارك في اجتماع تجمّع المؤسسات الأهلية التطوعية ولجنة المتابعة لمنظمات المجتمع المدني اللبناني والفلسطيني في مقرّ رئاسة الحكومة: إنّ المؤسسات الأهلية الفلسطينية تتعاون مع اللجان الشعبية في إحصاء الأسر النازحة إلى المناطق المتاخمة للمخيمات، وعلى ضوء الإحصائيات يتمّ تقديم المساعدات الممكنة. وقد تمّ تحديد مراكز استقبال للنازحين من اللاجئين الفلسطينيين خاصة من مخيمات جنوب لبنان من قبل وكالة الأنروا مثل مركز سبلين المهني الذي يمكن أن يستقبل 500 شخص وفيه تجهيزات كاملة ومطبخ. ويوجد في سبلين مدرسة ثانوية سيتمّ فيها استقبال نازحين، وكذلك فتحت مدرسة في مخيم نهر البارد في طرابلس ومدرسة يعبد في صبرا، ويمكن أن يتم فتح مدرسة في مخيم مار الياس في بيروت، وتمّ تأمين فرش وطعام ومياه. وهناك محاولات لتنسيق مسألة المساعدات، لكن حالياً لا توجد خطة متكاملة، لأنّ الأعداد ما زالت غير واضحة وهناك اجتماع للمؤسسات الأهلية دعت إليه مؤسسة التعاون لوضع خطة ومناقشة الإمكانيات المطلوبة لتقديم المساعدات.
ويعتبر الشباب الفلسطيني تحرّكه تجاه النازحين عربون وفاء ومحبة وتقدير لأهل المقاومة التي دافعت وتدافع عن فلسطين ولبنان وعزة الجميع وكرامتهم وروحهم المعنوية العالية في مواجهة الحرب والعدوان.

*كاتب وإعلامي الهدهد يعود والمقاومة أقوى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى