أولى

المقاومة تجرّ كيان الاحتلال إلى حرب استنزاف باهظة الثمن

‭‬ حسن حردان

استهداف حيفا ومحيطها وجنوبها بشكل يومي، إضافة إلى تل أبيب الكبرى بين الفترة والأخرى، والتصدي البطولي والقوي لرجال المقاومة لجنود العدو من وحدة إيغوز وغيرها، واصطياد دبابات وملالات وجرافات الاحتلال في المناطق الحدودية من جنوب لبنان التي يحاول بعضها التجرّؤ على عبور الخط الأزرق لمساندة جنود العدو..
كلّ ذلك يدلل على إخفاق العدو في تحقيق أهدافه، إنْ كان في البر، او على صعيد وقف إطلاق صواريخ المقاومة وغارات مُسيّراتها.. وبات من الواضح، بعد دخول الحرب أسبوعها الثالث، أنّ العدو عاد إلى الدخول في مأزق الفشل والعجز عن تحقيق أيّ أنجاز في ميدان القتال، لا سيما بعد أن تبخرت «الإنجازات» التكتيكية التي حققها في البداية عبر اغتيال قادة في المقاومة وفي الطليعة قائد ورمز المقاومة سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، وهو ما جعل رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يعترف بأنّ «الأمر صعب وإسرائيل بحاجة إلى أمور إلهية»، في حين بدأت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» تقرّ بتعافي حزب الله بعد اغتيال العديد من قياداته، وبقدرته على التصعيد وقلب موازين المعادلة، وبأنه يستطيع جرّ «إسرائيل» إلى حرب استنزاف باهظة الثمن، وبالتالي اختفى في وسائل الإعلام «الإسرائيلية» الحديث عن «إنجازات اسرائيلية»، ليحلّ مكانها الحديث عن تبخر نتائج المباغتة «الإسرائيلية»، بعد نجاح حزب الله في تحويل «إسرائيل» إلى ساحة حرب حقيقية.. بات معها ملايين الصهاينة من الشمال إلى وسط وعمق الكيان يهرعون إلى الملاجئ، في مؤشر على فقدانهم للأمن، وهو ما كان قد حذر منه قبل أشهر كل من الجنرالين يسحاق بريك، ويسرائيل زيف، بالإضافة إلى معهد أبحاث «الأمن القومي الإسرائيلي»، ومجلة «فورن بوليسي» الأميركية المحافظة.. الذين تحدثوا عن قدرات حزب الله الصاروخية الكبيرة، وخبراته القتالية، والمخاطر الكبيرة التي ستتعرّض لها «إسرائيل» في حال ذهبت إلى شن الحرب على لبنان..
هذه التطورات في مسار الحرب، عكست نجاح المقاومة في تحقيق جملة من الأهداف:
1 ـ الانتقال من تلقي الضربات إلى توجيه الضربات القوية للعدو، وهو ما تمثل في قيام القوة الجوية للمقاومة بتوجيه ضربة صاعقة للواء غولاني في قاعدته جنوب مدينة حيفا المحتلة، وفي تصعيد قصفها لمدن ومستوطنات الاحتلال بالصواريخ على مدار الساعة، وفي ذات الوقت خوض معارك ضارية مع جنود العدو ومنعهم من تحقيق أي تقدم في ميدان الحرب البرية.. بما عكس قوة وبأس المقاومة من ناحية، وقدراتها على الردّ على العدوان الصهيوني، بما يفرض نوعاً من التوازن في المواجهة من ناحية ثانية..
2 ـ إدخال كيان الاحتلال في حالة من الاستنزاف المستمر، وبالتالي جعله يتألّم كما نتألّم، وهذا ما أكد عليه نائب أمين عام حزب سماحة الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الثالثة، الذي شدّد فيها على إيلام العدو في كلّ مكان في فلسطين المحتلة، إلى أن يسلّم بوقف إطلاق النار بدون شروط، وبعد ذلك بدء مفاوضات غير مباشرة على شروط الحلّ او التهدئة.. ايّ التفاوض من موقع القوة وليس الضعف…
3 ـ إنّ المقاومة لن تسمح للعدو في تغيير المعادلات الردعية، وإعادة لبنان إلى العصر الإسرائيلي، من الاستباحة لسيادته وتحقيق أطماعه فيه، وتغيير نظام الحكم اللبناني، كما فعل بعد اجتياحه للبنان عام 1982.. وانّ المقاومة تملك القدرات على إعادة فرض معادلات الردع وصواريخها ومُسيّراتها تستطيع أن تصل إلى أيّ نقطة وهدف في فلسطين المحتلة.
4 ـ إنّ المقاومة قادرة على منع العدو من تحقيق أهداف حربه المباشرة لناحية إعادة المستوطنين الصهاينة إلى مستعمراتهم بالقوة، او فرض حزام أمني صهيوني داخل جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني، ونشر قوات دولية متعدّدة الجنسيات تتولى حماية أمن الكيان الصهيوني.. والميدان يؤكد على هذه القدرة للمقاومة، واستمرار قصفها الشمال الفلسطيني المحتلّ من الحدود إلى عمق يصل إلى 70 كلم مما يؤدّي إلى مزيد من نزوح المستوطنين إلى مناطق العمق الصهيوني.. إلى جانب تطبيق معادلة بيروت مقابل تل أبيب..
انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ المقاومة، بعد اسبوعين من بدء الحرب الصهيونية على لبنان، نجحت في الانتقال إلى مرحلة الردّ بقوة على العدوان، وجرّ كيان العدو إلى حرب استنزاف مكلفة له، ما يدخل الحرب في ما يمكن تسميته معركة «عض الأصابع» القاسية، ينتصر فيها من يملك القدرة على التحمّل أكثر، ويملك القضية العادلة والاستعداد لتقديم التضحيات في سبيلها، وهي صفات يتمتع بها رجال المقاومة وجمهورها، ولا يملكها جيش الاحتلال والمستوطنون الصهاينة، الذين جاؤوا من بلدان العالم لاغتصاب واحتلال أراضي الفلسطينيين، واحتلال الأراضي العربية، مستقوين بالدعم الأميركي الغربي لهم.. وستظهر الأيام المقبلة من تصاعد حرب الاستنزاف إلى ايّ مدى سيتحمّل كيان الاحتلال ومستوطنيه حرب استنزاف تشلّ فيها كلّ مناحي الحياة ويعاني فيها المستوطنون من صعوبة الخروج من الملاجئ، خصوصاً في مناطق الشمال كافة، ومن ضغط نزوح المستوطنين إلى مناطق العمق لوقت طويل من دون أن يكون لديهم ايّ أمل بقدرة جيشهم على تحقيق النصر وأهداف الحرب بإعادة الأمن لهم بالقوة.. من غير أن يلجأ مُكرهاً إلى قبول شرط المقاومة بوقف النار بلا شروط، ومن ثم التفاوض غير المباشر، للتوصل إلى اتفاق على شروط العودة إلى التهدئة…

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى