مقالات وآراء

ملفات ساخنة يجب أن تُغلق سورياً

 د. حسن مرهج*

لا يمكن فصل الأزمات الإقليمية وما تشهده المنطقة من غزة إلى لبنان، عن الأزمة السورية وعمق عناوينها، خاصة أن الساحة السورية تكاد تكون عاملاً مؤثراً على ملفات المنطقة، ووجود دمشق ضمن ذلك هو في الأساس بمثابة بيضة القبان، لا سيما أن كل ما يحدث في المنطقة يجب أن يمرّ عبر سورية، فلا استقرار إقليمياً ولا حلول سياسية دون دمشق، ودون حلحلة العناوين السياسية السورية كـ ملفي إدلب وشرق الفرات.
يمكن الاتفاق بأنّ ما يحدث في غزة ولبنان هو في أحد جزئياته جراء ما حدث في سورية من سياسات أميركية و»إسرائيلية»، لكن لسنا بصدد التعمّق في ما سبق، لكن لا بدّ أن يتمّ الانتقال سورياً إلى ملفي إدلب وشرق الفرات، بما يضمن عودة السيادة السورية إلى كلّ الجغرافية السورية، وهنا لا بدّ من القول بأنّ الأزمات الإقليمية بمجمل عناوينها تفترض على دمشق وحلفائها التوجه عميقاً نحو الملف السوري، وفي ظلّ حالة التخبّط الأميركي في عموم المنطقة، فإنه من الضروري التوجه فوراً وسط هذا الإنشغال الإقليمي إلى وضع إدلب وشرق الفرات ضمن مسار يُفضي بالضرورة إلى التوصل إلى حلّ، سواء أكان سياسياً يُحقق رغبات دمشق، أو عسكرياً عبر عمل عسكري شامل يطال التواجد الإرهابي في شمال شرق سورية بالكامل.
قد يقول البعض بأنّ روسيا منشغلة في أوكرانيا، وإيران تبحث عن خيارات جديدة سياسية ودبلوماسية في ما يتعلق بالملف النووي وكذلك ملف العقوبات الأميركية ضدها. هذه المقاربة في الشكل العام هي صحيحة، لكن الصحيح أيضاً بأنّ روسيا وإيران مطالبتان اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى للعمل على مساعدة دمشق ببسط سيادتها على كامل التراب السوري، لا سيما أنّ هذا الأمر يعطي نقاط قوة لـ روسيا وإيران وكذلك دمشق، ويحجزون مقعداً متقدّماً وورقة ذهبية في مرحلة التسويات الكبرى، وهذا أيضاً ما يفرض على الولايات المتحدة و»إسرائيل» تعاطياً مختلفاً حيال الثلاثي السوري الروسي والإيراني، وضمن ذلك فإنّ التوقيت الإقليمي يكاد يكون وقتاً ذهبياً لا بد من استثماره، في ظلّ تخبّط أميركي وانشغال «إسرائيلي» في غزة ولبنان.
في المقلب الآخر فإنّ الدولة السورية اليوم تشهد تحديات ترتبط ارتباطاً مباشراً مع التحديات الإقليمية، خاصة أنّ موقف دمشق من مجمل ما يحدث في الإقليم هو موقف واضح ومبدئي، لكن هذا الموقف السوري جلب لـ سورية تحديات كبيرة لا سيما أن تتعارض مع المواقف الغربية والأميركية، ولا نقفز فوق الواقعية السياسية حين نقول بأنّ موقف دمشق كان سبباً في تغيير مشاريع كثيرة في المنطقة، خاصة أنّ موقع سورية الجيو استراتيجي كان بمثابة حجر العثرة أمام خطة التوسع الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.
وربطاً بما تواجهه دمشق من تحديات نتيجة موقفها وموقعها، فإن هذا الأمر أعطى قوة مضاعفة لـ روسيا وإيران شركاء دمشق وحلفائها، وهم اليوم أيّ روسيا وإيران يتخذون من دمشق منطلقاً لاستراتيجياتهم بعيدة المدى، لكن في المقابل ينبغي على شركاء دمشق تعزيز مواقعهم وفق مقاربات تعتمد دعم دمشق بالمستويات كافة، خاصة أنّ روسيا وإيران تملكان من المقوّمات ما يمكنهما من تشكيل تحالف سياسي عسكري اقتصادي تشاركهم في ذلك الصين، وينبغي أيضاً أن يتمّ وضع حدّ للسياسات «الإسرائيلية» في سورية ووقف الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكررة ضد دمشق، فـ روسيا وكذلك إيران كلاهما قادرتان على تغيير الواقع في سورية، لكن يبدو أنّ لـ موسكو وطهران حسابات في أماكن مختلفة، ويجب لزاماً عليهما اعتماد مقاربات جديدة حيال الواقع الإقليمي الذي ينذر بتحييد الدورين الروسي والإيراني ليس في سورية فحسب، بل في عموم المنطقة.
نتيجة لِما سبق، فإنّ الحلول حيال ما يجري تنطلق محدّداته من ضرورات سياسية وعسكرية. هي ضرورات تقتضي على موسكو وإيران تعزيز موقف دمشق حيال جغرافيتها بما سينعكس حُكماً عليهما، وبالتالي تعزيز موقعهما السياسي والعسكري أما هجمة أميركية «إسرائيلية» غربية في الشرق الأوسط قد تغيّر ملامحه، إنْ لم تتحرك روسيا وإيران في مسار تصادمي يعزز مواقعهما انطلاقاً من دمشق إلى عموم الإقليم.
دمشق التي شُنت عليها حرب لا تزال قائمة، إنما جاءت نتيجة مواقفها ورفضها لكلّ ما من شأنه إقصاء الدورين الروسي والإيراني في المنطقة، ودمشق التي كانت على الدوام ولا زالت حجر عثرة أمام المشروع الأميركي في المنطقة، فإنّ ذلك يقتضي بناء استراتيجيات جديدة، فالجميع لا يملك رفاهية الوقت والتخطيط أمام توحش أميركي سيبتلع المنطقة، إنْ لم تقم روسيا وإيران بتأطير المشروع الأميركي انطلاقاً من الجغرافية السورية…

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى