أخيرة

دبوس

عشق الشهادة

ليس رجماً بالغيب، ولا سبراً لأغوار المجهول، ولكن السياق المنطقي للحتميات التاريخية كان يجزم من دون إعمالٍ للقدرات الاستشرافية، ومن دون تكبّد عناء الاستبصار لما هو آتٍ في قابل الأيام، يجعلنا نتوقّع من دون الوقوع في رذيلة التنجيم، بأنّ رجلاً مثل السنوار لا بدّ أنّ يغادرنا بمثل هذه المغادرة، مقتحماً على الموت خلوته، وممسكاً بتلابيبه، وملاحقاً إيّاه حتى يتقمّصه، غير مبالٍ بأيّ شيءٍ إلّا تحقيق العدل والإنصاف، وتقويض صروح الظلم والظالمين، وتشييد البناء العارم للحق وللحقيقة، والطود الشامخ للإباء ونبذ الجور والطغيان والكبر…
هكذا لا بدّ أن يموت رجال كهؤلاء، فهم نقيض كلّي ومطلق لكلّ هذا الاستعلاء، والتغوّل، والرغبة الجارفة للتعدّي على حقوق الآخرين، واستملاك ما يملكون، يذهبون خفافاً بلا أثقال، إلّا من أثقال هموم إنصاف أولئك المستضعفين، والوقوف بإصرار، ومن دون وجلٍ ولا كللٍ في وجه المعتدين الناكرين لحق الآخرين في ما يملكون، هكذا يموتون، متشبّثين بحبل الشهادة الحسينية، وحاملين لواء الانتصار للمظلومين، صارخين بنداءٍ هو ملء الحناجر، وفوق كلّ السرائر، ودحضاً للمحاذر، هيهات منا الذلة، ولو أنّ دين محمد لن يقام إلّا بقتلي، فيا سيوف خذيني، ويا رياح ذريني، حسينيون حتى النخاع، عماد مغنية، قاسم سليماني، أبو مهدي المهندس، صالح العاروري، فؤاد شكر، إسماعيل هنية، وأخيراً وليس آخراً فالقافلة مزدحمة، سيد شهداء طريق القدس، سيّدي ومهجة قلبي حسن نصرالله، ثم اليوم، يحيى السنوار…
هنيئاً لهؤلاء الأحبة بما أحبّوا حتى أعلى درجات العشق، شهادة في سبيل الله والحق ورفع المظالم، والوقوف في وجه الظالم، وتحرير الأوطان والمقدسات والانتصار للمظلومين والمستضعفين، ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر، أنّ الأرض يرثها عبادي الصالحون.

سميح التايه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى