حرب بين الحضارة والبربرية…
مأمون ملاعب
قال نتنياهو إنّ هذه الحرب ليست صراع حضارات بل هي حرب بين الحضارة والبربرية. ما فاجأني أنّ هذا المعتوه المنحرف قال كلاماً صحيحاً، لكن على عكس ما يقصد تماماً.
هو يعتبر أنّ الجانب الذي يسكن البيوت الحديثة والمدن والقرى المستحدثة المتضمّنة كلّ المعطيات العصرية والذين يلبسون ربطات العنق والسراويل القصيرة هم أهل الحضارة، وطبعاً هم لديهم فنادق وشركات وبنوك ومصانع، خصوصاً للأسلحة، بينما الجانب الآخر من الحرب يسكن في مخيمات مكتظة وبيوت التنك والخيم، يلبسون ثياباً بعيدة عما نراه في الغرب، ومعظم النساء محجبات. ولا فنادق ولا بنوك ولا مصانع إلا اليدوية البسيطة إلخ… وهناك الكثير الكثير من البشر في الغرب والشرق من الخارج والداخل يوافقونه الرأي بل ويصفقون!
إلى كلّ هؤلاء الجهلة لا بدّ من الإيضاح والشرح والتدليل…
*سكان المخيمات هم في الأصل سكان المدن والقرى العريقة بالحضارة، بنوها حين كان الغرب في مرحلة التوحش، هؤلاء طُردوا قسراً من بلدانهم وأُجبروا على النزوح في ظروف صعبة بالقوة من قبل برابرة كلّ الأزمان. يسكنون المخيمات بانتظار العودة ولو طال الزمن.
*هؤلاء هم أصحاب أسوار القدس وعكا وبناة كنيسة القيامة والمهد والمسجد الأقصى. هم مَن وصفتهم التوراة بسكان الجنة ووصفت أتباع موسى بالبدو الذين يعتقدون أنّ ربّهم خادمهم يُعطيهم ما يطلبون ويسهر حتى الشمس لخدمتهم وما زالوا بدواً متخلفين ينتظرون ذبح بقرة بمواصفات ما وبطقوس محدّدة في علاقة وثنية بدوية مع ربهم. البداوة ثقافة لا تلغيها مظاهر المال.
*هؤلاء حملوا المسيحية إلى أوروبا لينقذوها من الهمجيّة بالمحبة والتسامح والعدالة والإنسانية الاجتماعية الراقية، لكن الأوروبيين لم يفهموا من المسيحية سوى صليب حملوه في حروبهم وغزواتهم وقصدوا الأرض المقدسة بهمجية.
*هؤلاء أحفاد قدموس الذي أعطى أوروبا اسمها على اسم أخته وعلّمهم الألف و»البيت»، وما زالوا إلى اليوم يردّدون ألفا بتا دون فقه محتواها.
*قد يرفض البعض ما أقول بحجة أنه كلام من الماضي فأين نحن اليوم؟ على ضفة من الحرب فريق أشبه بالفطر يمتصّ الإنسانية ولا يقدّم لها أيّ خير. سلاحه من الآخرين واقتصاده ضريبة على الآخرين، أصل وجوده صنعه غيره وحمايته تتأمن من غيره. لا يعطي سوى الحقد والعنصرية والخداع يقتات الخبث وينتج السموم. أكلة لحوم البشر أرقى منه لكنه يدّعي الحضارة.
على الضفة الأخرى شعب فقير محاصَر حتى في قوته، من البر والبحر، من العدو والقريب، صنع الصواريخ من القساطل طور وسائل الدفاع، حرمته الأرض المنبسطة من الحماية فحفر الأنفاق، سجنوه بالأسوار والسياج فحوّل الطائرات الشراعيّة إلى نقل عسكري وحين هاجم العدو اشتبك مع العسكر واذلّ العسكر ومرغ أنوفهم بالتراب، ردّ الفعل «الحضاري» من اليهود كان قصف المدنيين وقتلهم ثم يحاولون لصق التهمة بغيرهم. نحن نتكلم عن اليوم.
*فريق يدّعي الحضارة يتقن القتل دون تمييز، القتل لأجل القتل من أطفال ونساء وعجزة، يدمّر لأجل التدمير، قذائف كلّ واحدة منها تزن أكثر من طنّ ويرميها بالعشرات في كلّ الاتجاهات، يقابله مَن يعشق الحياة ويفتديها بدمه. الحياة المستمرة في الأجيال المستدامة بالأمة حيث تعظم الشهادة.
طبعاً هي حرب بين الحضارة والبربرية. ما كان اليهود يوماً إلا من البدو المتخلفين، وما كان شعبنا في وطنه كلّه وعبر تاريخه كلّه إلا الأرقى حضارة وإنسانية…