خطوة تلو الخطوة… شي جين بينغ يمضي بتعاون بريكس قدماً
حول أهمية دور مجموعة بريكس ومستقبلها من وجهة نظر الصين الشعبية نشرت وكالة (شينخوا) الصينية تقريراً جاء فيه:
بينما يجتمع الرئيس الصيني شي جين بينغ وعدد من القادة الآخرين في قازان في روسيا لحضور القمة الـ16 لمجموعة بريكس، يتّجه العالم إلى تسليط الضوء مرة أخرى على هذه الآلية الدولية المتنامية وكيف ستدفع التنمية الذاتية وتستجيب للمشكلات العالمية.
باعتباره نصيراً راسخاً لتعاون بريكس، شبه شي ذات يوم أعضاءها الخمسة آنذاك بأصابع اليد الخمسة: فهي تتباين في الطول حال بسطها، ولكن تُشكل قبضة قوية عند ضمّها لبعضها البعض. والآن بعدما كبرت اليد وأصبحت أقوى مع توسيع عضويتها في العام الماضي، فإن جوهر الاستعارة التي استخدمها شي يزداد أهمية.
مع استمرار العالم في خوض فترة جديدة من الاضطرابات والتحولات، يُتوقّع أن يساعد زعيم أكبر دولة نامية في توجيه مجموعة بريكس، ذات المكانة الريادية في الجنوب العالمي، إلى الاضطلاع بدور أكبر في بناء مستقبل مشترك أفضل للبشرية.
– القيمة الذهبية
تُعرف مجموعة بريكس، وهي اختصار يشير إلى الأحرف الأولى من أسماء البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، باللغة الصينية بـ»الطوب الذهبي»، وهو ما يشير إلى التفاؤل بشأن إمكاناتها العظيمة ومستقبلها المشرق.
تتجلى هذه النظرة المتفائلة بوضوح في تفاعل شي مع المجموعة. فهو يضع مجموعة بريكس دائماً في مقدمة أجندة السياسة الخارجية للصين إذ كان أول ظهور له في هذا المحفل متعدّد الأطراف كرئيس للصين في قمة بريكس عام 2013 في ديربان بجنوب أفريقيا، وزار جميع دول بريكس الأربع الأخرى خلال العامين الأولين من رئاسته.
ومن جانبه، أشار بون ناغارا، الباحث البارز في الشؤون الصينية بماليزيا، إلى أن «الصين تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ ساهمت بشكل كبير في نجاح مجموعة بريكس».
بفضل الجهود المشتركة لأعضائها، ظلت القيمة الذهبية لمجموعة بريكس في ارتفاع مستمرّ، إذ تُظهر بيانات البنك الدولي أن حصة بريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي نمت من 18 في المئة في عام 2010 إلى حوالي 26 في المئة في عام 2021، مع تسجيل زيادات في جميع السنوات خلال تلك الفترة.
ومن بين محرّكات نموها الملحوظ هو التوجه القوي نحو تحقيق نتائج فعلية. وقد أكد شي ذات مرة على أن «بريكس ليست محفلاً للكلام، بل مجموعة عمل تُنجز الأمور».
وانطلاقاً من هذه الروح، يشكل التعاون العملي دوماً أساس آلية مجموعة بريكس، ومن خير الأمثلة على ذلك إطلاق بنك التنمية الجديد. وقد وافقت هذه المؤسسة متعدّدة الأطراف، ومقرها شانغهاي، على 105 مشاريع في جميع الدول الأعضاء بقيمة تقارب 35 مليار دولار أميركي بحلول نهاية عام 2023.
وفي ضوء الاحتياجات التنموية المتنامية لمجموعة بريكس، اتفق شي في قمة عام 2017 التي عُقدت في مدينة شيامن الساحلية في الصين مع قادة الدول الأعضاء الأخرى على دمج التبادلات الثقافية والشعبية رسمياً في محركات تعاون مجموعة بريكس، من أجل مواصلة تعزيز الرباط القائم بين هذه الدول وتدعيم أساس التفاعل داخل مجموعة بريكس.
وشهد تعاون بريكس الذي تحركه المحركات الثلاثة، وهي السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية، فضلاً عن التبادلات الثقافية والشعبية، تقدماً أكثر جوهرية ودعماً شعبياً متنامياً.
وقد قال وانغ لي، مدير مركز أبحاث تعاون بريكس في جامعة بكين للمعلمين، إن القيمة الفريدة لتعاون بريكس تتخطى الجوانب الاقتصادية فيما تُعدّ هذه الآلية ابتكاراً للتعاون الدولي، وذلك في اختلاف واضح عن بعض التحالفات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية الحمائية والحصرية في الغرب.
وعلى حد تعبير شي، فإن تعاون مجموعة بريكس يتجاوز الصيغة القديمة للتحالفات السياسية والعسكرية، والعقلية القديمة المتمثلة في رسم الخطوط على أساس الإيديولوجيا، فضلاً عن المفهوم العتيق المتمثل في «أنت تربح وأنا أخسر» و»الفائز يأخذ كل شيء».
إن هذا السجل الذهبي، كما أشار العديد من المراقبين، لم يقضِ فقط على العديد من الادعاءات المتشائمة مثل تلك التي تقول إن مجموعة بريكس ليست سوى «مجموعة مختلطة»، بل عمل أيضاً بشكل كبير على زيادة جاذبيتها لبقية العالم.
– بريكس الأكبر
في صباح يوم 24 أغسطس من العام الماضي، اهتزّ مركز ساندتون للمؤتمرات في جوهانسبرغ بالتصفيق المدوي عند لحظة الإعلان عن التوسع التاريخي لمجموعة بريكس. وقال شي في المؤتمر الصحافي إن ذلك يدل على «تصميم دول بريكس والدول النامية على الاتحاد».
منذ إنشاء آلية البريكس، ظل الالتزام بالانفتاح والشمولية راسخاً عند أعضائها. وأكد شي مراراً أن دول بريكس لا تجتمع في نادٍ مغلق أو مجموعة حصرية. وذكر، في أول مشاركة له بقمة بريكس في ديربان في عام 2013، بأنه «لا يمكن لشجرة واحدة أن تشكل غابة». وبعد عام في قمة فورتاليزا في البرازيل، طرح «روح بريكس» المتمثلة في الانفتاح والشموليّة والتعاون المربح للجميع.
بمثل هذا العقلية المنفتحة، طوّرت المجموعة تقليداً يتمثل في دعوة قادة دول أخرى إلى قممها. ثم في اجتماع عام 2017، الذي جرى في مدينة شيامن الساحلية العريقة التي تطورت لتصبح مركزاً ديناميكياً للانفتاح والإصلاح في الصين، بنى شي على النشاط التواصلي هذا وطرح برنامج «بريكس بلس»، مما شجّع على مشاركة أكبر من جانب الأسواق الناشئة الأخرى والدول النامية.
في الواقع، تصادف أن مدينة شيامن في جنوب الصين هي المكان الذي جاء فيه شي للعمل كنائب لرئيس البلدية في عام 1985 وهو بلغ من العمر 32 عاماً. وفي الوقت الراهن، وبمبادرة من شي، أقيمت هناك قاعدة ابتكار تابعة لشراكة بريكس بشأن الثورة الصناعية الجديدة.
على مرّ السنين، ومع التغيرات العميقة التي أعادت تشكيل العالم بدرجة نادراً ما شهدها التاريخ، أيّد الرئيس الصيني بثبات الانفتاح والتعاون. وقال شي، في قمة بريكس الـ14 في عام 2022، إنه «في ظل الظروف الجديدة، من الأهمية بمكان أن تواصل دول بريكس التنمية بأبواب مفتوحة وأن تعزّز التعاون بأذرع مفتوحة».
وبعد مرور عام، اجتمعت أكثر من 60 دولة في جوهانسبرغ لحضور قمة البريكس. وقال شي إن الاجتماع «ليس ممارسة لمطالبة الدول بالانحياز إلى جانب، ولا ممارسة لخلق مواجهة بين الكتل، بل هو مسعى لتوسيع هيكل السلام والتنمية».
وبخلاف الدول التي أصبحت أعضاء جدداً كاملي العضوية في أول يناير 2024، تقدمت أكثر من 30 دولة رسمياً للانضمام إلى بريكس بينما تسعى العديد من الدول النامية الأخرى إلى إجراء تعاون أعمق مع المجموعة.
وقال مكري علييف، مدير مجلس إدارة قاعدة بريكس للابتكار في شيامن، إن «هناك سبباً وراء اختيار هذه الدول الانضمام إلى بريكس، لأنهم يرون المستقبل وهم يرون الإمكانات والفرص داخل بريكس».
– صوت أكبر
بعد ثلاثة أشهر من قرار توسيعها، عقدت بريكس قمة مشتركة غير عادية حول الوضع في غزة مع قادة الأعضاء المدعوين وكذلك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وكان ذلك الاجتماع هو الأول من نوعه للمجموعة. ومثل الاجتماع، كما قال شي، «بداية جيدة» لتعاون بريكس بعد توسيع المجموعة.
وتعليقاً على هذه القمة، قالت قناة ((الجزيرة)) إن الدول الرائدة في الجنوب العالمي تبحث عن «صوت أكبر في نظام عالمي يهيمن عليه الغرب». وقال ستيفن غروزد، المحلل في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية «إنّه أمر يعكس حزماً وثقة متزايدين لمجموعة بريكس لا انتظاراً للغرب».
وتعتبر بريكس هي قوة مهمة في تشكيل المشهد الدولي. وكان الدفع باتجاه نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافاً موضوعاً ثابتاً في تصريحات شي بشأن تعاون بريكس.
ومن شأن التنسيق الفعال بين أعضاء المجموعة ودول الجنوب العالمي الأخرى أن «يضيف المزيد من الطوب إلى هيكل الحوكمة العالميّة»، كما قال الخبير الصيني في جامعة بكين للمعلمين وانغ لي.
ويجسّد بنك التنمية الجديد هذا الجهد. واعتبر شي «إنشاء البنك بمثابة مكمل مفيد وتحسين للنظام المالي الحالي، وهو ما يمكن أن يشجع على تفكير أعمق وإصلاحات أكثر نشاطاً في النظام المالي العالمي».
وخلال اجتماعه مع ديلما روسيف، الرئيسة البرازيلية الأسبق ورئيسة البنك الجديد، في بكين في 2023، دعا شي بنك التنمية الجديد إلى المساعدة في تحديث المزيد من البلدان النامية. واتفقت روسيف مع رؤية شي، قائلة «إنها رؤية تتسق مع رغبتنا في عدم تحدّث بريكس عن عدد قليل من البلدان فقط، فما نريده هو أن تكون معظم الدول جزءاً من بريكس».
فتعزيز الحوكمة العالمية – كما أشار شي – هو الخيار الصحيح، إذا كان المجتمع الدولي يعتزم تقاسم فرص التنمية والتصدي للتحديات العالمية.
وقال خبير الاستثمار العالمي جيف دي أوبدايك «من الناحية الاقتصادية، تدفع الدول غير الغربية – مع بريكس في الطليعة – العالم إلى واقع جديد: وضع قائم اقتصادي واجتماعي ونقدي ناشئ يقلب ما قبله العالم على أنّه طبيعي لما يقرب من ثمانية عقود».
ورأى قوان تشاو يوي، الباحث في معهد الدراسات الأوراسية في جامعة رنمين الصينية، أن تعاون بريكس «ليس معادياً للغرب ولا يهدف إلى الإطاحة بالنظام العالمي القائم، بل إصلاح جوانبه غير العادلة بشكل بناء لإعطاء المزيد من الفرص للعالم النامي».
ويؤكد شي أن التنمية حق غير قابل للتصرّف لجميع البلدان، وليست امتيازاً لعدد قليل من البلدان. وفي إطار رؤيته الكبرى لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، تتعاون الصين مع البلدان النامية الأخرى في دفع عمليّة التحديث الخاصة بكل منها.
وقال شي في مناسبات مختلفة إن الصين ستظل دائماً عضواً في الجنوب العالمي والعالم النامي.
وقال قوان «لقد بعث الرئيس شي برسالة واضحة للغاية مفادها أن الصين ستتحد مع الأسواق الناشئة والدول النامية الأخرى في عملية التحديث العالمي، وستتأكد من عدم تخلّف أحد عن الركب».