يا سيد «الطوفان» وداعاً والمقاومة مستمرة…
د. جمال زهران*
إنه “أيقونة المقاومة” وصانع ومهندس عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من أكتوبر 2023م (العام الماضي) التي غيّرت العالم كله، وهو الشهيد القائد البطل والشجاع يحيى السنوار، الذي ظلّ يحمل المدفع (الرشاش)، حتى آخر ساعة، وفضل أن يظلّ قائداً عسكرياً في الميدان، يناضل في المواجهة مع جيش الاحتلال الصهيوني، رغم أنه رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، خلفاً للقائد الشهيد إسماعيل هنية، الذي استشهد على يد المجرمين الصهاينة وهو في طهران في 31 يوليو الماضي. وقد أصرّ السنوار، على أن يكون بجوار المقاومين في أرض غزة، وينتقل بين مكان وآخر، لتستمرّ جذوة المقاومة في كلّ أنحاء غزة، في مواجهة العدو الصهيوني، يقوّي المقاتلين، ويدعم صمودهم، ويرفع معنوياتهم، ويرصّ صفوفهم، ويقود تنظيمهم، وبدون هوادة، وبالتعاون والتنسيق مع فصائل المقاومة الأخرى، وفي مقدمتهم حركة الجهاد، المقاومة.
لم يهرب هذا القائد، ولم يختبئ هنا أو هناك، بل كان على السطح، وفي أحد البيوت المهدومة، والمؤكد أنه لتنفيذ عملية عسكرية بصحبة رفيقين فقط، إلا أنّ العدو الصهيوني، قد هدم البيت، المهدّم أصلاً، على خلفية أنه ربما يكون في داخله أحد المقاومين، أو المدنيّين، فلا فرق لدى الصهاينة، بين مقاوم أو مدني! فقد كان المجرمون الصهاينة أسبق، عندما قرّروا هدم البيت بالقذائف على من في البيت، عملاً بشهوة التدمير لكلّ شيء، سواء أكان فيها أحد أم لا! إلا أنهم فوجئوا بوجود من يقاتلهم، وحاولوا معرفة من بالداخل عن طريق طائرة مُسيرة، لتبيان من بالداخل، ثم دخلوا، ليجدوا الأشخاص الثلاثة شهداء، ومن بينهم القائد يحيى السنوار، أو شبيه له. وقد قاموا بتصويره في جميع الأحوال، وكان ببدلته العسكرية، والتي خلعوها عنه، لتتضح الإصابات، وبجواره الرشاش والمسدس، وحاجياته الشخصية البسيطة. وهؤلاء الصهاينة هم الذين صوّروا ونشروا ذلك، بل أعلنوا أنهم وجدوا القائد يحيى السنوار، بالصدفة، ولم تكن هناك عملية اغتيال مرتبة ومخططة، من جانب النتنياهو، ولا جيشه، ولا حكومته (أعضاء العصابة الغاصبة للسلطة في أرض فلسطين المحتلة).
وباعتراف الصهاينة، لم يمكنهم الله، من إخراج القائد السنوار، بطريقة أميركية، مثلما أخرجوا صدام حسين، من حفرة أو خندق! وهو أمر غير حقيقي، نظراً لاستعجالهم، وتسويق الصور بسرعة، فكانت الحقيقة هي الأكثر انكشافاً، وبيد الأعداء أنفسهم، بل كشفوا عن أنّ الذي كان يقاتلهم، وأصاب أحد الجنود الصهاينة إصابة بالغة، ولا نعلم التفاصيل في ما أنجزه القائد السنوار ضدّهم، وضدّ معداتهم، وفي مقدمتها دبابات الميركافا، التي يفاخرون بها! ولكن المقاتلين المقاومين، الفلسطينيين، فقد قهروها، وأوقعوها في الكمائن، ودمّروا منها أعداداً، بلا حدود، بل المؤكد أنهم استقدموا الآلاف منها من أميركا، بدلاً مما تمّ فقده وتدميره!
لقد أصبح القائد يحيى السنوار، شهيداً في الميدان، مقاتلاً، وواقفاً على قدميه، يقاتل بنفسه، ومعه اثنان من مساعديه فقط، واستشهدوا جميعاً، وأصبح هو “أيقونة” المقاومة، وأيقونة “الصمود”، وأيقونة النصر الآتي، على لسان السيد خليل الحية، (نائب رئيس المكتب السياسي) ظهر يوم الجمعة 18 أكتوبر 2024م، بعد ساعات من إعلان استشهاده مساء الخميس 17 أكتوبر (تشرين الأول)، شهيداً مناضلاً على طريق القدس، والذين أعلن، أنهم على نفس الدرب الذي صنعه القائد يحيى السنوار، وهو، لن يكون هناك أسرى صهاينة قابلون للتبادل، إلا بعد وقف تام للحرب العدوانية على غزة، والانسحاب الكامل من غزة، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الصهيونية، ولا خيار في ذلك أبداً.
إنّ الحركة وكلّ فصائل المقاومة الذين فوّضوا “حماس”، في إجراء المفاوضات مع الكيان الصهيوني عبر وسطاء، لا تزال عند شروطها، بدون تنازل على الإطلاق، والحرب مستمرة في غزة وفي الضفة، وفي جنوب لبنان، بل وفي بيروت، بل كلّ لبنان حتى الشمال، وفي نفس الوقت فإنّ المقاومة مستمرة، ولا يزال الصهاينة والأميركيون يتسوّلون اتفاقاً، ينقذهم في الداخل الصهيوني، وفي الانتخابات الأميركية، التي تتعرّض للمرة الأولى، لأوضاع مجهولة، قد تكشف عنها الأيام المقبلة!!
وقد يفقد حراس الأسرى الصهاينة أعصابهم، بعد أن استشهد قائدهم يحيى السنوار، فيبدأون في القتل البارد للأسرى تباعاً، وقد تأخذ العملية شهرين أو أكثر، على خلفية الثأر، رغم أنّ الأسرى الصهاينة هم ورقة مهمة في عملية التفاوض، إلا أنه بفقدان أهميتها عند حكومة “العصابة الصهيونية”، ومن ثم فإنّ احتمال قتل هؤلاء هو الأكثر احتمالاً في الأيام والأسابيع المقبلة بإذن الله.
إذن… فقدنا قائداً عظيماً عسكرياً وسياسياً ومقاتلاً حتى اللحظة الأخيرة من عمره، ليضاف إلى الشهداء على طريق القدس، الكبار، وفي المقدمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله الذي فتح الحرب على الصهاينة من اليوم التالي لطوفان الأقصى، ولا تزال مستمرة حتى الآن، بل ازدادت سخونة وإيلاماً للعدو الصهيوني بعد استشهاده، والسيد القائد إسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، والذي خلفه القائد الشهيد يحيى السنوار (أبو إبراهيم)، ليلحق بهم على طريق التحرير والاستقلال، بالإضافة إلى كبار القادة في حزب الله، وكبار القادة في حركة حماس، وحركة الجهاد، والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، وغيرهم، ولكن لتبقى فلسطين، والمعركة أكثر سخونة على طريق التحرير، وإنهاء الوجود الصهيوني، في كلّ فلسطين المحتلة من النهر إلى البحر، والذي حان وقته الآن.
وتبقى الملاحظة، في ما هو آتٍ، حيث أن المقاومة الفلسطينية ستزداد سخونة بعد استشهاد القائد يحيى السنوار، مؤكداً، وذلك كما ازدادت بعد استشهاد القائد إسماعيل هنية، وكما ارتفعت وتيرة السخونة، عقب استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله، الأمر الذي يسهم في تسريع الخطوات نحو التحرير النهائي لفلسطين. فبعد أن كانت الاشتباكات دفاعية، واستنزافية، أضحت الآن في مستوى الهجوم بلا سقف وبلا قواعد وبلا حدود، وانتهت إلى الأبد قواعد الاشتباك التي استقرت فترة طويلة. ولعلّ السبب هو التجاوز المستمر في سلوكيات العدو الصهيوني، ضد الفلسطينيين وقادتهم، وضدّ المقاومة اللبنانية وقادتها، وتحت غطاء حماية أميركية أوروبية، حتى أضحت الحرب الدائرة هي، بين أميركا والعرب والمسلمين، بهدف الإبادة، وتكريس الهيمنة والتبعية، والنفوذ، وأرض المعركة هي الكيان الصهيوني بهدف التمكين له والهيمنة، والخضوع العربي والإسلامي الكامل لهذا الكيان والمحرك له وهو أميركا وحلفاؤها في الناتو وأوروبا والإقليم، وهو ما لن يحدث، وستهزم أميركا والكيان الصهيوني وأوروبا، في إقليمنا العربي، طالما كان لدينا شهداء مثل القائد يحيى السنوار، ومن سبقوه. فهؤلاء لديهم العقيدة، والهدف هو التحرير والاستقلال، وإنهاء الوجود الصهيوني للأبد، وقد بدأت هذه العملية منذ السابع من أكتوبر 2023م، ومهندسها هو الشهيد يحيى السنوار. عشت بطلاً، واستشهدت مقاتلاً، وستظلّ روحك يا ملهِمة لمن سيخلفك بإذن الله، وملهِمة لنا في نضالنا جميعاً من أجل تحرير فلسطين كاملة…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية