بين 2006 و 2024 المقاومة أكثر قوة وقدرة و«الإسرائيلي» بوضع أسوأ في الميدان…
حسن حردان
ازدادت الضغوط على لبنان لجعله يرضخ للشروط الأميركية “الإسرائيلية” لوقف الحرب، وبلغت ذروتها مع زيارة المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين في ظلّ التصعيد في العدوان “الإسرائيلي” على لبنان لا سيما على ضاحية بيروت الجنوبية في محاولة للضغط على المسؤولين اللبنانيين لقبول التفاوض تحت النار وتعديل القرار 1701 بما يحقق الأهداف “الإسرائيلية” على حساب لبنان ومقاومته، وكأنّ “إسرائيل” انتصرت في الميدان ونجحت في تحقيق أهدافها العسكرية في كسر المقاومة وإضعافها، وتفكيك وتدمير بنيتها العسكرية، والسيطرة على مناطق في جنوب لبنان وصولاً إلى نهر الليطاني..
لكن قراءة متفحّصة للواقع الميداني، تظهر العكس تماماً، وتؤكد انّ كيان الاحتلال فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أيّ تقدّم ذي قيمة عسكرية في الميدان البري، وانّ المقاومة تسطر ملاحم البطولة وتثبت بأساً وقدرة منقطعة النظير على خوض القتال الضاري وبكفاءة في مواجهة جنود العدو من مسافة صفر وتكبّدهم الخسائر الفادحة وتمنعهم من احتلال والسيطرة على القرى الحدودية وتلالها الحاكمة.. وتؤكد في الوقت ذاته قدرتها على الضرب المستمر وبقوة كلّ مناطق الشمال الفلسطيني المحتل بعمق يصل إلى 70 كلم، واستهداف تل أبيب بين الفينة والأخرى عندما يقدم العدو على الاعتداء على بيروت، وضاحيتها الجنوبية، ويواصل قصف مدن وبلدات الجنوب والبقاع، فارضة معادلة ردعية، بما يؤكد ان قدرات المقاومة لم تضعف او تتراجع، وان العدو فشل في النيل منها كما زعم.. وان منظومة القيادة والسيطرة والتحكم لديها تعمل وهي بأفضل حالاتها، رغم ما تعرّضت له المقاومة من ضربات موجعة باغتيال قادتها في بداية الحرب، وان قدرات المقاومة، كمّاً ونوعاً، تتجاوز بكثير ما كانت تملكه في حرب تموز عام 2006، عندما حققت الانتصار التاريخي والاستراتيجي على جيش الاحتلال..
ومن خلال إجراء المقارنة بين وضع المقاومة اليوم والواقع “الإسرائيلي”، وبين ما كان عليه في الأسبوع الثالث لحرب تموز 2006، يمكن القول وبكلّ موضوعية وبناء على قراءة الوقائع في الميدان، إنّ وضع المقاومة أفضل وأكثر قوة وقدرة، وان “إسرائيل” في وضع أسوأ على كلّ المستويات.. وهذا الأمر يمكن الاستدلال عليه من خلال الوقائع والمعطيات الميدانية، التي تؤكد أنّ جيش الاحتلال الذي نجح في عام 2006، في الأسبوع الأول من عدوانه، بالدخول مسافة عدة كيلومترات داخل المناطق الجنوبية من لبنان، حيث وصلت قواته إلى مرجعيون، وإلى حدود بنت جبيل، ووادي الحجير وغيرها من المناطق التي دارت فيها اشتباكات ضارية وسجل خلالها المقاومون بطولات مشهودة في قتال جنود العدو، وتدمير وحرق دباباته في سهل الخيام ووادي الحجير.. ان جيش الاحتلال هذا، تؤكد الوقائع اليوم، وبعد ثلاثة أسابيع على بدء عدوانه البري، إنه يعجز عن السيطرة على البلدات والقرى الحدودية، حيث يواجه مقاومة ضارية وشرسة تتصدّى لكلّ محاولات دخوله إلى هذه القرى، ويقع جنود العدو في كمائن المقاومة ويواجهون قتالاً مع المقاومين من مسافة صفر، مما أدّى إلى إيقاع الخسائر الكبيرة في صفوفهم، قدرت حتى الآن بعشرات القتلى، ومئات الجرحى، وتدمير من 26 دبابة.. في وقت يتردّد فيه العدو بإدخال دباباته بكثافة إلى داخل الجنوب قبل أن يتمكن من السيطرة على تلال القرى الحدودية، لتأمين الحماية لها والحيلولة دون تعرّضها للتدمير بالصواريخ المضادة للدروع…
وهذا يدلل على ما يلي:
1 ـ أن قدرات المقاومة على تغطية كل محاور القتال على طول الحدود من الناقورة إلى مزارع شعبا، بسبب تزايد عديدها، عشرات المرات عما كان عليه عام 2006.
2 ـ امتلاك المقاومة إمكانيات كبيرة ونوعية من الأسلحة المختلفة التي تمكنها من التصدي لجيش الاحتلال وخوض القتال الدفاعي وفي نفس الوقت اعتماد تكتيكات حرب العصابات والمناورة المرنة في القتال البري.
3 ـ الكفاءة والمهارة القتالية للمقاومين والخبرات الكبيرة التي اكتسبوها في مواجهة جيوش الإرهاب التكفيرية، المدعومة أميركياً وإسرائيلياً في خلال الحرب الإرهابية الكونية على سورية.. حيث خاض المقاومون كلّ أنواع وأشكال الحروب في الجبال والغابات والوديان والصحراء..
4 ـ بناء المقاومة بنية تحتية محصنة تحمي قدراتها وإمكانياتها والتسليحية، والمقاومين، حيث عرضت المقاومة جزء من هذه البنية في فيديوات أظهرت مدناً تحت الارض وفي عمق الجبال تحتوي على القدرات النوعية للمقاومة، من صواريخ ومُسيّرات، مما وفر لها اتقاء القصف الصهيوني الذي يقوم به طيران العدو الأحدث في العالم، والذي يستخدم في قصفه قنابل ثقيلة زوّدته بها الولايات المتحدة، في حين أقامت المقاومة تحصينات على طول خط الجبهة وفي القرى الحدودية، وفرت لها الحماية من الغارات العنيفة لطيران العدو، والقصف المدفعي، والتحرك والمناورة في التصدي لجنود العدو ودباباتهم عندما يحاولون التقدم إلى أطراف او جوار القرى او داخلها..
ثانياً، على مستوى القدرات الصاروخية.. لم تكن المقاومة عام 2006 تملك القدرات الصاروخية النوعية مثل الصواريخ الدقيقة والفرط صوتية، وغيرها من الصواريخ المتوسطة والقصيرة، وبكميات كبيرة، وهو ما جعلها اليوم قادرة على شن هجمات صاروخية قوية ومستمرة يوميا على مدن ومستعمرات ومواقع العدو في كل الشمال الفلسطيني المحتل، وصولا إلى العمق في تل أبيب..
5 ـ على مستوى سلاح الجو المُسيّر، لم تكن المقاومة في 2006 تملك سلاح جو من آلاف المُسيّرات المتنوعة والمتطوّرة التي أظهرت اليوم قدرة وبراعة على اختراق منظومات الدفاع الجوي الصهيونية، وضرب مواقع حساسة في العمق الصهيوني، مثل استهداف لواء غولاني في بنيامينا، ومنزل نتنياهو في قيسارية، وضرب مواقع حساسة في تل أبيب مثل مقرات الموساد والاستخبارات.. الأمر الذي أحدث تحوّلاً هاماً في مسار المعركة..
إذا كانت المقاومة، كما هو واضح، أفضل على كل المستويات، عما كانت عليه في خلال حرب تموز 2006, فإن كيان العدو، ورغم تطور قدراته الجوية (اف 35) ومنظومات دفاعه الجوي، ونجاحه في تحقيق اختراق استخباري في البداية مكنه من اغتيال قادة مهمّين مؤسّسين في المقاومة، وفي الطليعة قائد ورمز المقاومة سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله، إلا أنّ العدو تبيّن انه، بعد أن استعادت المقاومة زمام المبادرة، في وضع أسوأ في ميدان المواجهة بالقياس لما كان عليه خلال عدوانه عام 2006، وهو ما ظهر من خلال:
ـ عجز قوات العدو عن تحقيق أي تقدّم مهمّ في ميدان القتال البري، رغم انّ جيش الاحتلال أجرى تقييماً لأسباب هزيمته في عام 2006 وأخذ الدروس والعبر، وأجرى جميع التدريبات على شن العدوان مجدداً على لبنان، للثأر لهزيمته وتحقيق ما عجز عن تحقيقه في مواجهة المقاومة، إلا أنه أخفق حتى الآن في البرهان على ذلك، والميدان يؤشر إلى أنه غير قادر على استعادة المبادرة، وأنه لولا تفوقه الجوي لما كان قادراً حتى على تحقيق بعض إنجازاته التكتيكية، ولا الاستمرار في محاولاته المتكررة إحداث اختراق وتقدم يُعتدّ به في القرى الحدودية وتلالها..
ـ عدم تمكن منظومة الدفاع الجوي للعدو، والتي تعتبر الأحدث في العالم، في حماية أمن الكيان والمستوطنين، والمواقع الحساسة مثل قواعده العسكرية الجوية والاستخبارية التي تتعرّض لهجمات وضربات صواريخ ومُسيّرات المقاومة. التي نجحت في إعادة فرض معادلات الردع: إفقاد كيان العدو الأمن مقابل اعتدائه على أمن لبنان واللبنانيين، وتهجير المستوطنين مقابل تهجير اللبنانيين، وفرض معادلة الاستنزاف بالاستنزاف، بحيث بات العدو يتألم ويدفع ثمناً كبيراً مع كلّ يوم يستمرّ فيه بمواصلة العدوان على لبنان..
ـ حجم الخسائر “الإسرائيلية” المرتفع انْ كان على مستوى القتلى والجرحى في صفوف جنود العدو، او على مستوى المستوطنين ونزوح اعداد كبيرة منهم من الشمال باتجاه العمق الصهيوني، او على مستوى الاقتصاد الإسرائيلي الذي بات في حالة من الشلل، إلى جانب الإنفاق الكبير على حرب مكلفة، مستمرة منذ أكثر من عام، وتحوّلت إلى حرب استنزاف على عدة جبهات.. وهو أمر لم يكن قائماً بهذا القدر عام 2006..
انطلاقاً مما تقدم يمكن القول إنّ وضع المقاومة في الميدان وقدراتها على المواجهة وإعادة فرض المعادلات، أفضل بكثير مما كانت عليه خلال عدوان تموز عام 2006، وان الموقف الرسمي اللبناني أيضاً أفضل مما كان عليه، وكذلك المناخ السياسي والشعبي العام.. في حين أنّ كيان العدو ظهر انه أقلّ حصانة في حماية امنه، وأقل قدرة على تحقيق تقدم حقيقي في ميدان المعركة البرية التي ستقرّر نتائج الحرب، والمهزوم والمنتصر فيها، لأنّ الطيران الصهيوني مهما بلغ من وحشية وإجرام في اعتداءاته لن يستطيع حسم المعركة، في حين أنّ المقاومة تردّ على هذا التفوق الصهيوني في الجو، بقصف مدن ومستعمرات الاحتلال في الشمال الفلسطيني والعمق الصهيوني بالصواريخ والمسيرات الانقضاضية..
هذا الواقع الميداني الذي يظهر قوة وقدرة المقاومة، وفشل العدو في تحقيق أهدافه بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على بدء العدوان البري، عزز الموقف الرسمي اللبناني في مواجهة الإملاءات والشروط الإسرائيلية الأميركية التي حملها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين إلى بيروت، الذي حاول استطلاع إمكانية فرض شروط وقف النار تحت نار التصعيد الصهيوني، لكنه فوجئ بموقف رسمي لبناتي موحد في رفض هذه الشروط والتأكيد على وقف النار أولاً بلا شروط، ومن ثم إجراء مفاوضات عل تطبيق القرار 1701 من دون أيّ تعديل، كما يريد “الإسرائيلي” والأميركي.. ولهذا فإنّ ما لم يحصل عليه العدو في الميدان، لن يستطيع أخذه بالسياسة.