دبوس
ما بعد بعد فلسطين
لم تعد أطماعهم خبيئة ما بين سطور وثنايا بروتوكولات حكماء صهيون، أو يُهمس بها همساً في الغرف المظلمة السوداء السريّة، هذه الأطماع يُفصح عنها علناً الآن، على المنابر، وفي التصريحات الرسمية، وفي الخرائط التي تعرض أمام وسائل الإعلام، ومن أعلى المواقع الرسمية في الكيان، ولم تعد التطلّعات تستهدف مجرّد المساندة لفلسطين والشعب الفلسطيني المظلوم، حسبما تقتضيه الذات الحاكمة، وتتمنّن به، وتعتبره ترفاً قد تسديه أو تتمنّع عن إسدائه تبعاً للظروف وارتهاناً للأمزجة والتوجهات الأيديولوجية أو حتى المزاجية، ولم تعد انتخاءً اختيارياً للمقدسات وللأخوّة ولوقفة عربية أو إسلامية كيفما يرتئيه وليّ الأمر أو سيدنا أو فخامة الرئيس، لقد أصبحت تحدياً وجوديّاً للإنسان الأردني أو المصري أو السعودي أو العراقي أو اللبناني أو السوري، ولن يمضي طويل وقت حتى تصبح تحدّياً وجودياً أيضاً للإنسان الخليجي واليمني والتونسي والسوداني والجزائري والمغربي، بالمباشر واللامباشر، أطماع هذه المسوخ ليست محدودة بحدود، ولا تستهدف شعباً بعينه، هم يعتبرون الآخر عبداً، أو مشروع عبدٍ مؤجل، لا يستحق الحياة إلا بما يرتضيه ويقدّره السيد الذي ينتمي إلى شعب الشيطان المختار، والأرض مباحةً لما تستطيعه الجزمة الصهيونية من المقدرة على الوصول إليه، والسيطرة عليه، والمصيبة ان الكثيرين لمّا يستيقظوا من السّبات العميق، والخطر غدا ماحقاً، والسكين أصبحت تلامس وريد العنق، والخطر أضحى في ما بعد الداهم، التعويل على الأنظمة الموضوعة علينا لم يعد خطأً في المقدرة على قراءة الموقف فحسب،
هو خطيئة عظمى ترقى الى مستوى ارتكاب الفناء الطوعي، لأنّ الأنظمة هي جزء لا يتحزّأ من مشروع الإبادة الجماعية لكلّ شعوبنا من المحيط إلى الخليج، وإنْ لم تستيقظ هذه الشعوب، ومن منطلق التهديد الوجودي المباشر لها، فلن تستيقظ إلّا والباثون الصهيوني التلمودي آخذ في ابتلاعها في وجبة الصباح، أو وجبة المساء لا فرق، فريسةً تلو الأخرى، الإبادة الجماعية ليست بالضرورة فيزيائية، إذ أنّ الإبقاء على الشعوب في حالة تخلّف وعوز وفقر وبطالة وما يربو على ما هو أكثر من نصف الديموغرافيا تحت خط الفقر، وأمن قومي مكشوف، وتفريط بالحقوق، وارتهان للخارج، واستتباع القرار السياسي،وديون فلكية تقذف باقتصاد البلاد الى ما بعد التفليسة، وإدارة فاسدة فاشلة ديدنها المصالح الشخصية والمحسوبية والارتشاء، كلّ ذلك هو فناء وإبادة جماعية معنوية موضوعية.
سميح التايه