«الذباب الإلكتروني» وكيفية مواجهته
سارة طالب السهيل
في زمن ليس ببعيد، كان يتصدّر المشهد الإعلامي والثقافي قادة العلم والمعرفة وزعماء الفكر والمثقفين وأسماء لامعة مثل: طه حسين، علي أمين، مصطفى أمين، نجيب محفوظ، عباس محمود العقاد، توفيق الحكيم، جبران خليل جبران وعلي الوردي وغيرهم، قامات عظيمة كانت تضيء سماء الأمة بفكرها وإبداعها. وكانت تمثّل وجدان الأمة وتؤثّر في حركتها وتوجهاتها.
لكن اليوم، نجد أنّ الأمة تتأثّر بذباب إلكتروني ينشر الفساد والسباب والإساءة والوقيعة والفتن، ويعمل بإشراف مباشر من الوحدة 8200 في مكتب الموساد، ومعلمهم أيضاً شخصية إعلامية معروفة على «تويتر» أو موقع» إكس». يتابعونه ويبثّون سمومهم على شكل تعليقات تحت ما يُنشر من تفاهات مقصودة لبثّ الوقيعة والرعب والسيطرة والنفوذ وغسل الأدمغة.
أحياناً تشعر أنه أشرف المعلّقين بعد أن تقرأ تعليقات المذبذبين والمنبطحين و»ماسحي» الجوخ، الذين حين يأتي دورهم لن يبكي عليهم أحد لأنهم باعوا الكرامة.
لو عدنا إلى الذباب الإلكتروني الجاهز تحت كلّ منشور، أقوى من الشَدّة، أحد من السين، أسرع من لمح العين، تجده أول المعلّقين حتى يلحق به قطيع الغنم بسبب الجهل وقلّة الثقافة والعلم ونشر التطرف والكراهية عمداً وبإنسيابية شديدة حتى لا تشعر أنك تحت تأثير المخدّر أو تحت إشراف الخلية إياها وتوجيهاتها. ومرّة على مرّة، «مبروك» أنت جاهل بامتياز، ومن ثم يسهل السيطرة عليك وتوجيهك.
إنهم غيّروا مفاهيم العلم وتعريفاته، حيث تجد أصحاب الشهادات العلمية برؤوس فارغة من الفكر والفهم والتحليل والتقدير.
وقد لعب الفقر دوراً هاماً في ذلك، ولكن الذي أوصلنا إلى الفقر هو توجيه المجتمع لصرف كلّ ما في جيبه لشراء المواد الاستهلاكية غير الضرورية التي صنعوها من أجل جعلك سوقاً لهم وإفقارك. ناهيك عن منع الزراعة وتقسيم الأراضي الزراعية إلى قطع صغيرة بحجّة الإصلاح الزراعي الذي من حينها لم تقم لنا قائمة.
عن ماذا أقول وأشكو؟ آه يا أمة ضحكت عليها الأمم بفضل ذبابة.
الذباب الإلكتروني ليس مجرد ظاهرة عابرة، بل هو جزء من استراتيجية متكاملة تهدف إلى زعزعة استقرار المجتمعات وتوجيه الرأي العام. يتمّ استخدامه لنشر الأخبار الكاذبة والشائعات، مما يؤدي إلى خلق حالة من الفوضى والارتباك بين الناس.
هذا النوع من الحروب النفسية يمكن أن يكون لها تأثيرات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
إضافة الى تعليقات سلبية ومنشورات فتن ووقيعة وتعدٍّ على الآخرين وتوجيه التهم وإلصاق الصفات السلبية والسيئة.
وظهور شخصيات مجهولة أو حتى معلومة تتكلم بإسم مجموعة معينة وتعطي عنهم المعلومات الخاطئة، وتتكلم بإسمهم وذلك لتشويه صورتهم وخلق مشاكل ووقيعة، وبالتالي سيردّ الطرف الآخر وبهذه الحالة ستجد الأطراف الحقيقية تلبّست المشاكل والفتن وحوّلت المشكلة الوهمية لأن تصبح حقيقية بعد ان تمّ إشعالها من قبل المجهول الذي ربما يكون فعلياً، وهو تعلم اللغة العربية ليستخدمها في عمله الذي سخّروه من أجله أو ربما شخص معروف، قبض الثمن أموالاً وفوائد شخصية ليقول ويكمّل دوره للوصول للأهداف.
من هنا يأتي دور المثقف والقارئ والمطلع الذي سيفصل فوراً بين الحقيقة والباطل، لأنه يعرف كلّ بلد وكلّ فئة وكلّ جماعة وكلّ حزب وكلّ طائفة وكلّ مجموعة ما لها وما عليها فعلياً قبل تدخل الذباب الكاذب.
إنّ مواجهة هذه الظاهرة، تفرض على المجتمعات تعزيز الوعي الثقافي والتعليمي بين أفرادها.
لأنّ التعليم هو السلاح الأقوى ضدّ الجهل والتفاهة والعيش كتابع لمجموعة استطاعت ان تخطف عقلك الفارغ، وهو أيضاً السلاح النافذ ضدّ التعصُّب الأعمى والعنصرية والتطرف وأيضاً ضدّ البطالة والفقر والفساد.
يجب على الحكومات والمؤسسات التعليمية العمل على تقديم برامج تعليمية تهدف إلى تعزيز التفكير النقدي والوعي الرقمي بين الشباب.
كما يجب تعزيز دور الإعلام المستقلّ والنزيه في تقديم المعلومات الصحيحة والموثوقة. الإعلام الحر هو أحد الأعمدة الأساسية للديمقراطية والاستقرار الاجتماعي.
فالإعلام مقبوض الثمن من الجهات التخريبية إياها قد ملأ الفضاء الإعلامي وصوتهم أصبح في كثير من المحطات.
ولكن الإعلام الحر غير الموجّه الذي ينقل الحقيقة غير مبنية على أجندات وتوجيهات هو المنقذ الحقيقي في زمن الذباب الإلكتروني، كما يجب أن نكون أكثر وعياً وتحصيناً ضدّ محاولات التلاعب والتضليل. وأن نعود إلى قِيَم العلم والمعرفة والفكر النقدي التي كانت تشكل أساساً قوياً لمجتمعاتنا.
فقط من خلال تعزيز الوعي والتعليم يمكننا مواجهة هذه الظاهرة وحماية مجتمعاتنا من الجهل وقلة التربية والحقد والفساد والتطرف.