حين يتحدث أردوغان عن «إسرائيل» وقلقه حيال دمشق
د. حسن مرهج*
في تصريح لافت لـ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي عبّر من خلاله عن مخاوفه إزاء ما وصفه بخطر تحرك «إسرائيلي» نحو دمشق، مما فتح باب التساؤلات حول تداعيات هذا السيناريو على الأوضاع الإقليمية، فضلاً عن تصريحات أردوغان في هذا التوقيت.
أردوغان الذي حذر وفق تصريحاته من أنّ أيّ سيطرة «إسرائيلية» على العاصمة السورية قد تؤدّي إلى تغييرات كبيرة في الخارطة الجيوسياسية للبلاد، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر لن يقتصر على دمشق بل قد يمتدّ إلى الشمال السوري، مما قد يشكّل تهديداً مباشراً للأمن التركي على حدوده الجنوبية، وشدّد أردوغان بناء على ذلك على ضرورة تفعيل آلية تعاون ثلاثية بين روسيا وسورية وإيران، لافتاً إلى أهمية اتخاذ خطوات «أكثر حزماً» في مواجهة ما وصفه بـ»التنظيمات الإرهابية».
يبدو واضحاً أنّ أردوغان يحاول الاستثمار في التطورات الإقليمية، ويحاول ربطاً بذلك توسيع نطاق تدخلاته في سورية تحت ذريعة الخوف من توغل «إسرائيلي» في الأراضي السورية، لكن أردوغان تجاهل جُملةً وتفصيلاً تدخلاته في سورية ودعمه التنظيمات الإرهابية التي قاتلت الدولة السورية وجيشها، وتجاهل أردوغان أيضاً بأنه يسعى لـ مصالحة دمشق وطرق أبوابها، بعد أن وصل إلى مرحلة يُريد من خلالها الانسحاب من سورية وترك إرهابيّيه، لكن يريد بذات السياق الخروج بمظهر لائق أمام فصائل إرهابية عمل على تنشئتها في سورية.
تصريحات أردوغان لا تتّسق وسياساته في سورية، خاصة أنّ الواقع السوري وكلّ عناوينه، ذاهبة في مسار سياسي واضح صنعه الرئيس الأسد وسيقطف ثماره السوريون، وقبل الحديث عن توغل «إسرائيلي» في سورية، على أردوغان أن يُعيد قراءاته الاستراتيجية في سورية ومع القيادة السورية، خاصة أنّ تصريحات أردوغان خلال الفترة الماضية عن المصالحة مع الأسد، يجب ان ترتبط عضوياً بخطوات واقعية على الأرض، لا سيما أنّ أردوغان موغل في الدماء السورية، والحديث عن ما تفعله «إسرائيل» في لبنان وفلسطين، فعله أردوغان في سورية، حين قام بتهجير السوريين من أرضهم، وأكثر من ذلك فقد قام أردوغان باستثمار السوريين وتحويلهم إلى ورقة تفاوض مع الأوربيين، وبذات الإطار فقد قام أردوغان باستثمار السوريين في حساباته الداخلية.
تصريحات أردوغان حيال «إسرائيل» وما تفعله في لبنان وغزة، سيُثير حفيظة الولايات المتحدة والناتو والغرب عموماً، وهذا الأمر سيكون له منعكسات كبيرة على جُلّ سياسات أردوغان الإقليمية والدولية، وبالتالي فإنّ أردوغان في هذه المرحلة محاصر من كلّ الاتجاهات، فهو يبحث عن استمالة مشاعر المسلمين حين يهاجم «إسرائيل»، وهو أيضاً يبحث عن الرضى الروسي والإيراني وضمناً السوري، بأنه ضدّ سياسات «إسرائيل» في عموم المنطقة، وبين هذا وذاك فإنّ أردوغان بات في مرحلة العجز السياسي، فالرجل يبحث عن نصر يُجيز له الاستثمار في سورية ولبنان وفلسطين، لكن ذلك لن يتمّ في ظلّ التطورات الإقليمية الحالية.
وبُعيْد تصريحات أردوغان حيال «إسرائيل» وما تريد هندسته في سورية، تمّت قراءة تصريحاته وفق المنظور السوري والروسي، ليتمّ ترجمة ذلك عبر استهدافات كثيفة عبر الطيران الروسي والسوري طالت مواقع إرهابيّي أردوغان من ريف اللاذقية حتى عمق الشمال السوري، وهذه الغارات بتوقيتها تؤكد بأنّ دمشق وموسكو حاضرتان في أيّ توقيت، كما أنّ تلك الغارات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ الشمال السوري ومناطق النفوذ التركي تحت مرمى نيران دمشق دائماً، وأنّ أيّ استثمار تركي في هذا التوقيت ستتمّ مقابلته بالنار…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية