أولى

هل أصبح النتن/ياهو صانع خرائط الإقليم؟!

د. جمال زهران*

إنه لأمر يدعو للدهشة والاستغراب، أن تجد رئيس عصابة الحكم في الكيان الصهيوني المدعو (النتن/ياهو)، يتحدّث في كلّ مكان (تحت قبة الكونغرس الأميركي)، وتحت قبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكأنه أصبح حاكماً للإقليم العربي، والشرق أوسطي، حيث رفع في اللقاءين على وجه الخصوص خرائط الإقليم الجديدة التي يرسمها بنفسه، ومعه فريق العمل الذي يسيطر بدعم أميركي/ استعماري واسع، أرض فلسطين المحتلة. وتأكيداً لهذا التوجّه، صرّح عضو العصابة، والمسؤول عن المالية (سموتريتش)، بأنه آن الأوان لتنفيذ الخريطة الجديدة لـ «إسرائيل الكبرى»، وتضمّ كلّ فلسطين التاريخية، وكّل سيناء وحتى نهر النيل، ثم وادي الأردن وشمال المملكة السعودية، والعراق حتى نهر الفرات، ولبنان وسورية، وكأنه صانع لخرائط الإقليم! وقد يرى هؤلاء الأشخاص (عصابة الحكم في الكيان الصهيوني)، أنهم في حرب وجودية، يجب أن ينتصروا فيها، من أجل تحقيق دولتهم الكبرى، وفقاً للخريطة المقررة بالاتفاق مع أميركا وحلفائها في الغرب الأوروبي وحلف الناتو، وشعارها من «النيل إلى الفرات». ومن ثم فلا خيار أمامهم، سوى تحقيق ذلك، وهم مدعومون من الغرب الاستعماري الجديد، منذ تأسيس كيانهم المزعوم، الذي يُدعى بـ «إسرائيل»، في مايو 1948م، بشرعية زائفة في الأمم المتحدة التي قدّمت اعترافاً بها بأغلبية هشّة، وهي الهيئة ومؤسسات العدالة الدولية التابعة لها، التي لا تحترمها دولة الكيان، ولا تنفذ قراراتهم، الأمر الذي يُنهي عضويتها، ويجعلها دولة مارقة، خارجة عن النظام الدولي، وتجب مقاتلتها للتوقف عن القتل وممارسة جرائم الإبادة الجماعية – (Genocide)وذلك وفقاً لنص دستور المنظمة، مواد (الباب السابع)، التي تنص على، استخدام القوة العسكرية لإجبارها على ذلك! إلا أنّ الدعم الأميركي/ الأوروبي، الاستعماري، جعل من هذا الكيان، ذات وضعيّة، فوق دستور المنظمة، يمارس القتل وكلّ الجرائم التي عرفها التاريخ الإنساني، والتي لم يعرفها، دون حساب أو عقاب، بل تتمّ ممارسة الضغوط الأميركية، من أجل تعطيل مؤسسات العدالة الدولية (محكمة العدل الدولية – محكمة الجنايات الدولية)، لعدم تمكينهم من محاكمة المجرمين في هذا الكيان للتوقف عن القتل العمدي والإبادة الجماعيّة لشعب فلسطين في غزة والضفة الغربية، وحالياً في لبنان، وهذه جريمة أخرى!
ففي أعقاب عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/ 2023م، بدأ الكيان الصهيوني، ما كان قد خطط له قبل الطوفان، في تنفيذ مخططه التوسعيّ، وتكوين الدولة الكبرى، ورسم الخريطة المأمولة، وذلك بالعدوان على غزة، ثم نقل العدوان، بعد مرور عام على الطوفان، دون إنجاز أي من الأهداف المعلنة على لسان النتن/ياهو، إلى لبنان بالكامل، جنوب ووسط وشمال، ويضرب ضربات خاطفة في إيران، وفي اليمن، ويهدّد الجميع. وكانت النتيجة حتى الآن، صفراً، بخسائر ضخمة. فلا الأسرى استطاع تحريرهم كما ادّعى، ولا استطاع فرض التهجير القسري أو الطوعي، على الفلسطينيين، ولا استطاع احتلال كامل أو سيطرة كاملة على غزة، ولا تدمير حماس والمقاومة الفلسطينية بفصائلها، بل هي تعمل ضد الكيان وعصابة الحكم، بقدرات لا مثيل لها. ولا استطاع بخيار اغتيالات القيادات الأولى والكبرى في صفوف حماس، وحزب الله، وقيادات الحرس الثوريّ، أن ينجح في شلّ محور المقاومة في كل بقاعه الجغرافية. بل استطاع حزب الله أن يدمّر قواعد عسكرية ومناطق اقتصادية في حيفا وعكا، وكل الشريط الحدودي الذي أُجبر فيه المستوطنون على الرحيل بعدد لا يقلّ عن (200) ألف شخص، بل تدمير في «تل أبيب»، والوصول إلى بيت النتن/ياهو في «قيساريا»، صباح يوم السبت 19/ أكتوبر الماضي، بل انتقل حزب الله، من المساندة إلى الدفاع، إلى الهجوم، والعمل بمبدأ «العين بالعين.. والسن بالسن»، ولم يعُد الأمر قاصراً على العسكريين، بل المدنيين في الكيان الصهيوني. والذي يمكن رصده، أن الحرب قد اتسعت دائرتها، وقام الكيان الصهيوني، من خلال العصابة الحاكمة بقيادة النتن/ياهو، بتصعيد الصراع في الإقليم، ونشطت الجبهات المساندة في العراق واليمن وسورية، حتى أن إيران أصبحت على خط النار، وحذرت كل الدول المجاورة، من فتح المجال الجوي أمام الطيران والصواريخ الصهيونية بتسهيل ضرب إيران، وإلا ستعتبرها شريكة في الحرب مع إيران.
بل إن جميع دول الإقليم، بعد الاتساع والتصعيد، من جانب الكيان الصهيوني، في خطر كبير، وربما بدأت تستعدّ لحالة الحرب، سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً. كما أن الرهان الصهيوني والأميركي، على أن غياب القائد/ يحيى السنوار باستشهاده وهو يقاتل بنفسه، قد يُسهم في التهدئة واستعادة الأسرى الصهاينة، خاسر، ورهان فاشل، ومعه فشل عصابة الكيان في رسم خرائط الإقليم، كما تتوهم!

*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى