أولى

الخسائر «الإسرائيلية» تبدّد رهان العدو وتؤكد قوة المقاومة وتعزّز موقف لبنان التفاوضي

‬ حسن حردان

أعلن رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي أنه من المحتمل الوصول إلى «نهاية صعبة» للصراع مع حزب الله، و»يمكن إنهاء الحرب على جبهة لبنان لأنه تمّ القضاء على القيادة العليا لحزب الله» حسب قوله.

هذا التصريح يعكس:
ـ بداية تراجع واضح في موقف قيادة جيش العدو، لأنه يأتي في وقت تتواتر فيه أنباء الجبهة عن فشل جيش الاحتلال في تحقيق أيّ تقدّم، وتكبّده خسائر فادحة في صفوف جنوده بلغت عشرات القتلى ومئات الجرحى، حتى تاريخه، نتيجة شدة وقوة المقاومة.
ـ كما يؤشر إلى أنّ الفرق «الإسرائيلية» الخمس التي حشدها العدو على طول الحدود مع جنوب لبنان، بانتظار نجاح قوات النخبة منها في إحداث اختراق، يمهّد لتوغلها داخل جنوب لبنان، لا زالت في حالة انتظار منذ شهر، لأنّ جنود النخبة لم ينجحوا في مهمتهم، وباتوا يراوحون في مكانهم، وعرضة لهجمات المقاومة المتحصّنة جيداً في المناطق الحدودية الأمامية، على نحو عكس مستوى الاستعداد والجاهزية لديها لمواجهة اجتياح قوات الاحتلال، وإرادة وعزيمة على خوض القتال، ومنع العدو من تحقيق أهدافه، رغم الفارق الكبير في موازين القوى، وأسلوب المقاومة الذي يفترض انه يعتمد على تكتيكات حرب العصابات والمرونة في القتال التي تفرض عدم الدفاع عن مناطق ساقطة عسكرياً…
على انّ الخط البياني للخسائر البشرية الكبيرة التي يُمنى بها جيش العدو يومياً، وكان آخرها اعتراف العدو بمقتل عشرة جنود وإصابة عشرات آخرين خلال 24 ساعة، من دون أن يحقق ايّ مكاسب عسكرية، سيحدث بالضرورة تأثيراً سلبياً على المستويات العسكرية والسياسية «الإسرائيلية»، وعلى صعيد الداخل الاسرائيلي من ناحية، وسيكون له في المقابل انعكاسات إيجابية على الجانب اللبناني من ناحية ثانية…
أولاً، على الجانب «الإسرائيلي»،

1 ـ تؤدي هذه الخسائر المرتفعة يومياً، إلى إضعاف الثقة في قدرة جيش العدو على تحقيق نجاحات إذا ما استمرّ في الحرب، وتكرّس لديه حقيقة أساسية بأنّ اغتيال قادة المقاومة لم يؤثر سلباً على قوة وقدرة ومعنويات المقاومين في الميدان، بل انه زاد من تصميمهم وعزمهم على القتال للثأر لقادتهم، وأكد انّ المقاومة مؤسسة متماسكة، وانّ خسارة قادة استشهدوا، لا يؤدي إلى انهيار المؤسسة، التي سارعت إلى النهوض وملء الفراغات لديها، وواصلت المسيرة،
كما أنّ الخسائر المترافقة مع الإخفاقات، تقود إلى إحداث تأثير عميق في الروح المعنوية للضباط والجنود الصهاينة، الذين باتوا يقاتلون وهم يخافون من مواجهة الموت في ايّ لحظة وهم موقنون بأنهم يواجهون مقاومين لا يتراجعون في الميدان، ويقبلون على القتال ويهاجمون بجرأة وشجاعة، وفي الوقت ذاته يتمتعون بكفاءات ومهارات قتالية عالية المستوى، ويملكون أسلحة «فتاكة».
وهو ما دفع مسؤول في «الجيش» الإسرائيلي، إلى الاعتراف لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قائلاً: «حزب الله خصم هائل»، فيما نقلت «القناة 12» عن قائد تشكيل الدفاع الجوي سابقاً العميد احتياط تسفيكا حاييموفتيش: «في اليوم الأخير خسرنا 10 مقاتلين… حزب الله أعدّ نفسه جيداً من ناحية القوى البشرية والذخيرة».
أما محرر الشؤون الفلسطينية في قناة «كان» فقد تساءل: «أين أولئك الذين حكموا بشكل حاسم بأنّ حزب الله في حالة انهيار؟ وما حدث للوثيقة التي «كشفت» أنّ حزب الله لم يبق لديه مقاتلون»؟

2 ـ التأثير الكبير على مواصلة جمهور المستوطنين في دعم رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو للاستمرار بالحرب، خصوصا أنّ عداد القتلى والجرحى المتواصل، لا يقتصر على الجنود، بل بات يطالهم أيضاً، بسبب استمرار تساقط صواريخ المقاومة على مدن ومستعمرات الاحتلال، وفشل منظومة الدفاعات الجوية في اعتراضها، وإخفاق جيش الاحتلال في تدميرها.. ولهذا فإنّ استمرار فقدان الصهاينة للأمن والنزول إلى الملاجئ، ووقوع الإصابات في صفوفهم، إلى جانب استمرار الفشل في تحقيق أهداف الحرب، سوف يعزز الاتجاه لديهم للمطالبة بوقف هذه الحرب وبدء ارتفاع أصواتهم للقبول بتسوية سياسية.. بعد أن استفاقوا من نشوة الشعور بالنصر أثر نجاح طيران العدو في اغتيال قيادات اساسية في المقاومة…

3 ـ إضعاف موقف حكومة العدو في محاولة فرض الشروط السياسية لوقف النار، ذلك أنّ استمرار الفشل العسكري في الميدان والارتفاع الكبير في الخسائر، من الطبيعي أن ينعكس سياسياً بإضعاف الموقف «الإسرائيلي»…
ثانياً، على المستوى اللبناني،
النتيجة الأولى، استعادة المقاومة زمام المبادرة وتأكيد قدرتها وقوّتها في الميدان ونجاحها في تبديد رهانات الاحتلال على تحقيق إنجازات عسكرية، وإيقاع الخسائر الفادحة في صفوف جنود العدو.. وهو أمر ينعكس بارتفاع معنويات جميع المقاومين في مختلف المواقع ويزيد من إيمانهم وقدرتهم على تحقيق النصر على جيش الاحتلال مرة جديدة والوفاء لدماء قائدهم ورمزهم الشهيد السيد حسن نصر الله، وتثبيت مقولته، «ولّى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات».
النتيجة الثانية، إعادة الثقة بقدرة المقاومة على التصدي لجيش الاحتلال وإحباط أهدافه، بعد أن اعتقد البعض أنّ هذه الثقة قد اهتزّت إثر اغتيال القادة في المقاومة، وما واكب ذلك من حرب إعلامية ونفسية صوّرت انّ المقاومة قد ضعفت وفقدت توازنها ومنظومة القيادة والسيطرة والتحكم لديها.. وبالتالي عودة ارتفاع معنويات اللبنانيين، ولا سيما جمهور المقاومة، مع كلّ نبأ يرد من الميدان عن إنجازات المقاومين..
النتيجة الثالثة، تعزيز الموقف الرسمي اللبناني التفاوضي في التمسك بوقف إطلاق نار من دون شروط، ومن ثم التفاوض على سبل تطبيق القرار 1701 على جانبي الحدود من دون أيّ تعديلات، يسعى اليها كيان الاحتلال، وهو القرار الذي خرقه العدو 30 الف مرة منذ بدء سريان العمل به.
إنّ قوة المقاومة في الميدان وتصدّيها البطولي لقوات الاحتلال وتكبيدها الخسائر الجسيمة، ومنعها من التقدّم واحتلال القرى الأمامية، أسهم إسهاماً مهماً في تقوية موقف المسؤولين وجعلهم أكثر قدرة وقوة في مجابهة ضغوط الدول الغربية، التي سعت ولا زالت لفرض شروط الاستسلام على لبنان، على أثر سلسلة الاغتيالات الصهيونية.. ظناً منها، أنّ الاغتيالات قد أحدثت انهياراً في صفوف المقاومة، وصار من الممكن فرض صكوك الاستسلام على لبنان بما يعيده إلى العصر الإسرائيلي والهيمنة الأميركية الكاملة.. لكن رهاناتهم بدّدتها إنجازات المقاومين وبطولاتهم في الميدان، وعجز قوات الاحتلال عن كسر إرادتهم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى