قانون السير الجديد… والتلوّث!
أحمد طيّ
تناولت الحلقة الماضية من زاوية «دبابيس»، قانون السير الجديد، مسلّطين الضوء على ما سمّي «شرعة المشاة»، وعلى عددٍ من المواد القانونية المتعلّقة بالتوقف قبل خطّ سير المشاة لا عليه ولا بعده. ونوّهنا أن قراءة القانون كانت سريعة، وأن حلقات أخرى من هذه الزاوية ستتناول ثغرات أخرى في هذا القانون.
«دبابيس» اليوم ستركّز على التلوّث، هذه المشكلة التي يعاني منها لبنان في أكثر من ميدان، لا سيما ميدان السير والمركبات. وبينما العالم «المتحضّر» يتوجّه إلى التخلّص من المركبات العاملة على الوقود السائل كالبنزين والديزل، ويضع قيد السير مركبات تعمل كهربائياً أو على النظام الإيكولوجي، لا يزال لبنان يشير ـ ضمن قانون السير ـ إلى ضرورة الحفاظ على البيئة اللبنانية من التلوّث.
ورد في القسم الثالث من القانون، وتحت عنوان «جهاز المحرّك وخزّان الوقود»، ما يلي:
المادة 88:
1 ـ أن يكون المحرّك بحالة جيدة ولا ينبعث منه دخان ملوّث للبيئة أو مضرّ بالصحة العامة أو بسلامة السير، وألّا يُخرج انبعاثات تتعدّى المواصفات المحدّدة قانوناً وتُقاس بوساطة جهاز فحص الثلوّث.
2 ـ لا يجوز أن تُحدث المركبة أو أجهزتها ضوضاء تؤدّي إلى إزعاج مستخدمي الطريق أو مجاوريها.
3 ـ يحظر استعمال وقود في المحرّك غير ذلك المحددّ قانوناً، كما يحظّر استعمال أنواع الوقود غير تلك المطابقة لمواصفات صانع المركبة.
أمر جيّد الإشارة إلى هذه المعضلة. إذ إنّ مناصري البيئة والداعين إلى الحدّ من التلوّث، من وزارات وجمعيات وأندية كشفية وإعلام، لطالما أشاروا إلى التلوّث الناتج عن حركة سير المركبات في لبنان. إن كان عبر الانبعاثات كأول أوكسيد الكربون، وغيره من الغازات السامة، إلى «الانبعاثات» الصوتية، الناجمة عن الضوضاء التي تصدرها الدراجات النارية والسيارات والآليات.
ولكن، ماذا ستفعل دولتنا الكريمة بآلياتها هي؟
ماذا ستفعل دولتنا بآليات الجيش؟ وهنا لا نوجّه النقد إلى الجيش اللبناني الذي نجلّه ونحترمه ونمدّ له العون ونقدّم له كلّ الدعم المعنوي والماديّ، وحتّى إن طلب دماءنا لن نبخل بها في سبيله. إنّما نشير إلى آلياته القديمة، العاملة على وقود الديزل، فإذ بها ملوّثات متحركة على الشوارع اللبنانية، نظراً إلى الانبعاثات التي تفرزها هذه الآليات. فمن يشاهد شاحنات الجيش وملالاته، لظنّ أن قطاراً يعمل على الفحم الحجري يسير على طرقات لبنان.
آليات قوى الأمن الداخلي الكبيرة ليست هي الأخرى بمنأى عن تلويث هواء لبنان. وكذلك حافلات النقل العام، والـ«ميني باص» العاملة على المازوت.
هنا نعود إلى فكرة المقال الرئيسة، عندما تريد الدولة وضع قانون، يجب عليها أن تؤمّن أدنى الشروط لتطبيقه، كي لا تفتح في وجهها كوّةً للانتقاد. وكي لا تصبح الآليات السائرة على طرقات لبنان، الآليات كافة، «شي بسمنة وشي بزيت».
من هنا، نجدّد الدعوة إلى تأمين آليات للجيش وقوى الأمن الداخلي، وباصات للنقل العام، تتوفّر في محرّكاتها أدنى مواصفات الحفاظ على البيئة.
وإذ نشيد بالبند الثالث، من المادة 53 في قانون السير الجديد، الذي يحظر رمي النفايات وبقايا المأكولات وغير ذلك من المركبات على الطرقات العامة وجوانبها، لنا مع قانون السير الجديد قراءة مستمرّة، وإضاءات على ثغرات، علّنا نساهم في إيضاح ملتبس وتصويب اعوجاج.