سياديون ولكن…!
جمال محسن العفلق
شعار أطلقته مجموعة من النشطاء والسياسيين ومن يمتلك وسائل إعلام وإعلان ودعم مالي معروف رصده البنتاغون الأميركي يُقال إنه حوالي نصف مليار دولار الهدف منه تحويل لبنان الى جنة من خلال تسويق سياسة النأي بالنفس وعدم التعرّض لأيّ حدث من أحداث المنطقة أو إبداء الراي فيها.
فكانت المنشورات والضخ الإعلامي يتحدث عن السياديين الذين يجدون أنّ قوة البلاد في ضعفها وتسوّلها ورضى سفراء الغرب ومَن في فلكهم على الأداء الحكومي بشكل عام وعلى الأداء الأمني الحارس للكيان الصهيوني بشكل خاص.
فهذا الشعار البراق المعبّر عن السيادة الوطنية وعن النضال والحرية والاستقلال هو شعار صُنع في مطابخ الموساد والبيت الأبيض، فلو نظرنا إليه على أرض الواقع هو شعار من يريد إعادة اتفاق السابع عشر من أيار والذي كان نتيجة وصول رئيس جمهورية على دبابة صهيونية، هو شعار قرّر العاملون عليه عدم إدانة الكيان وجرائمه ولا تسمية الكيان بصفة العدو، شعار تحدّث أصحابه عن زيارة وزيرة الخارجية الألمانية بتباهٍ وهي التي صرّحت قبل زيارتها أنها تدعم الكيان الصهيوني في قتله للأطفال!
فأصحاب هذا الشعار خرجوا علينا ببدعة تقول إنّ الكيان الصهيوني لا يريد قصف الجيش اللبناني ولكنه اغتال الشهيد الرائد محمد فرحات لانتقام شخصي، في وقت يخطبون ليل نهار أنهم يريدون الجيش أن يكون هو صمّام الأمان للبلاد، فكلّ تصريحاتهم لا تخدم إلا الكيان ولا تسعى إلا لإرضاء الصهيونية! سياديون ولكنهم شامتون بمقتل أبناء وطنهم وسعداء بكلّ بيت يُدمّر وفرحون باستهداف المدنيين…! والمبرر جاهز ربما في بيت ذلك المزارع هناك مصنع للصواريخ!
في كلّ ما تتابعه منذ سنة لا تجد عبارة وطنية وإنْ كانت كلّ الخطابات واللقاءات المتلفزة مع محطات لم يعد هناك مجال للشكّ أنها تدار من مكتب إعلام رئيس وزراء الكيان ولكنها لا تحمل أيّ صفة وطنية أو سيادية وتكرّر ما يقوله الإعلام العبري ولكن بحروف عربية فصار من حقنا أن نسأل أين السيادة في هذا كله؟
وهل بالفعل يمثل هؤلاء وطناً وتاريخ بلاد ساهمت في الحضارة الإنسانية؟
لا تحتاج للبحث طويلاً في الإجابة لأننا شاهدنا كيف فتحت أبواب المنازل وهبّ النشطاء من كلّ الطوائف والبلدات لنجدة أخوتهم النازحين وكيف انتظم شباب واع في فرق لتقديم المساعدات، ربما حدثت بعض الإشكالات التي كان خلفها السياديون، ولكن النصف المملوء من الكأس يتحدث عن أكثرية وطنية لا ترى في العدو الصهيوني سوى وحش دموي، بينما دعم المقاومة هو السيادة والوطنية والمجد.
فالسيادي هو الذي لم يتسرّب اليأس الى قلبه وبقيَ على عهده للوطن، لا لفرد وعن أيّ فرد نتحدث… عن مقاوم يقف مؤمن بالموت في سبيل وطنه عن مقاوم وقف أمام كتيبة معادية وأجبرها على التراجع حاملة انكسارها وجامعه لأشلاء قتلاها.
ربما ما أكتبه هو وجدانيات وليس سياسة، فاليوم لا مكان للتحليل السياسي ولسنا بحاجة للكباش السياسي، فالحقيقة هي ما نرى على حدود لبنان الكبير والخطاب السيادي الوحيد هو ما نرى نتائجه على وجوه قادة العصابات الصهيونية، تلك الوجوه المتجهّمة والتي اعترف وزير دفاعها بوجوب تقديم التنازلات وصفها بالمؤلمة معتقداً أنه صاحب قرار وانّ المحور سيرضى بما يعتقد أنها تنازلات فقد أثبت الميدان أنّ الكلمة له ولن نستغرب إعلاناً للكيان يعلن فيه وقف العمليات البرية (الفاشلة) في شمال فلسطين.
أما بالعودة للسياديين الذين يشككون بالنصر ويرسمون صورة خلاص لبنان بالحياد والخضوع لمكاتب السفراء مقابل تأمين حياة الرفاهية المزعومة والتي تقتصر على إنشاء الشواطئ وإقامة حفلات الغناء وإعادة فتح سلاسل الشركات والمطاعم الغربية، فعليهم تغيير الشعار لأنّ كلّ هذه الرفاهية وتحت تهديد الطيران الصهيوني ليست من السيادة في شيء، إنما هي الخضوع بعينه ونزع للهوية الوطنية وقتل لروح المستقبل. ولأننا عاجزون عن إقناعهم بالمعنى الحقيقي للسيادة الوطنية فإننا ننصحهم بأن يطّلعوا على خرائط الكيان المنشورة قبل إعلان المقاومة عن انطلاق جبهة الإسناد لغزة والتي اعتبرت لبنان جزءاً من دولة الكيان المزعومة فربما تجعلهم تلك الخرائط يتلمّسون بعض الحقيقة عن المصير الذي تدفعهم اليه العصابات الصهيوني.
فالسياديون الذين يطالبون الحكومة بأن تأخذ دورها، عليهم أن يدركوا انّ الدستور اللبناني ما زال يحاسب من يتخابر مع العدو الصهيوني، وعليهم إدراك أنّ ميثاق الشرف الإعلام الوطني يمنع التسويق للكيان الصهيوني ومخالفة ذلك يترتب عليه الكثير، فلا يحق لمن شرع الأبواب للكيان وأدخل عناصر الموساد وفي مرحلة ما زوّده الكيان بالسلاح لقتل أهله في شوارع بيروت… أن يتحدّث عن السيادة الوطنية ولا عن الاستقلال بالقرار السياسي ما دام ينتظر التعليمات من مكتب أحد سفراء الغرب وينفذ ما يطلب منه دون فهم أو إدراك لمصير الأجيال القادمة إلا من باب المصالح الشخصية فقط.
فالحياة مقدسة ولكنها بلا كرامة إنسانية لا معنى لها وهنا يجوز لنا أن نقول سياديّين…