ويأتيك بالأخبار مَن لم تزوَّدِ…
سعادة مصطفى أرشيد*
من المفترض أن قدرة واشنطن بالضغط على “إسرائيل” قد أصبحت محدودة وتزداد محدودية كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في واشنطن الذي لم تعد تفصلنا عنه سوى بضعة أيام، إلا أن واشنطن لا تزال قادرة على ضبط حجم الهجوم “الإسرائيلي” على إيران والسيطرة عليه وإبقائه في حدوده التي لا تستدعي ردوداً إيرانية قوية. وعلى العكس من ذلك نرى الجنون “الإسرائيلي” ينطلق دون عقال في جبهتي لبنان وغزة حتى في التغوّل على الضفة الغربية إذ لا يوجد من يخيفهم سوى المقاومة التي تقاتل دون كلل، أما الإقليم فهو في حال أخرى.
ومما لا شك فيه أن للإدارة الأميركية دوافع انتخابية كانت وراء ضبط السلوك “الإسرائيلي”، ولكن من جانب آخر فإن واشنطن تدرك أن إيران دولة قوية تعرف كيف تدافع عن نفسها وتعرف مصالحها القومية والإقليمية. من هذه النقطة يتم التعامل معها بقدر كبير من الحذر والحساسية؛ الأمر الذي لا ينطبق على واقعنا ومحيطنا العربي.
هذا الواقع كان قد تشكّل مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وذلك بإنشاء كيانات صغيرة على حساب وحدة الأمة وعلى صناعة نخب رخيصة ذات مصالح تتناقض في أساسها وفي صراعها للبقاء مع مصالح الأمة وتحتاج لضمان بقائها لرضى القوى الاستعمارية التي صنعتها وللاستمرار في خدمتها ولو على حساب المصالح العليا للأمة والعالم العربي. هذه القوى الاستعمارية التي أصبحت “إسرائيل” هي مَن يمثلها في شرقنا، والتي أخذت مجموعة وظائف في خدمة المشروع الغربي الكبير ومنها وظيفة الحفاظ على بقاء هذه النظم طالما تقوم هذه النخبة بالمطلوب منها في خدمة المشاريع الاستعمارية الغربية.
وإذا كان هذا الفهم قائماً ومتوفراً فإن ما جاء في كتاب الصحافي الأميركي الشهير بوب ودورد الذي عُرف بمصداقيّته وقدرته على الوصول إلى مصادر إخبارية قوية واكتسب شهرته في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي بكشفه عن فضيحة ووتر غيت والتي أطاحت بالرئيس الجمهوري القوي ريتشارد نيكسون وأصبحت واحدة من أهم الفضائح السياسية على مدى قرن من الزمان من حيث أهميتها ومفاعيلها.
الكتاب الذي نشر حديثاً لم يترجم حتى الآن إلى اللغة العربية، ولكن ترجمت ونشرت مقتطفات منه وهو يحمل اسم الحرب ويتحدّث عن حرب تشرين الثانية (طوفان الأقصى) وأسرارها. وكيف أن النخب والقيادات العربية هي أطراف أساسية في الحرب على المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وعلى أي مشروع يهدف إلى التصدّي لـ”إسرائيل” والنفوذ الغربي.
يؤكد الكتاب على أن أجهزة المخابرات في واشنطن قد أصابها الذهول صبيحة السابع من تشرين الأول 2023 إذ لم تكن تملك أدنى معلومة أو تقدير عن ما حدث. كما يتحدّث الكتاب عن عجز الرئيس بايدن عن التعامل مع نتنياهو الذي يصفه بالكذاب، ولكن كل ذلك لم يحل دون أن تقدّم الإدارة الأميركية أقصى ما لديها من دعم لتل أبيب في حربها على كافة الصعد العسكرية واللوجستية والمالية والسياسية وصولاً إلى الغطاء القانوني الذي يبرر جرائمها الوحشية.
التفاصيل القذرة كانت في لقاءات وزير الخارجية بلينكن بالقادة العرب في زياراته الإحدى عشرة للمنطقة خلال السنة المنقضية. ويغطي الكتاب لقاءات الوزير مع السياسيين والقادة العرب التي كانت تجمع على فكرة أن على “إسرائيل” أن تسحق المقاومة باعتبارها لا تمثل تهديداً لـ”إسرائيل” فحسب، وإنما تهدّد هذه الأنظمة أيضاً وكان أكثرها لفتاً للانتباه هو ما جاء عن مقابلة بلينكن مع أمير قطر، حيث أكد الأمير القطري أن السنوار قد قام بفعلته هذه حرب تشرين الثانية بمفرده دون التنسيق مع المكتب السياسي المقيم في الدوحة، ولكن بلينكن قال للأمير القطري عن ضرورة الخلاص من المكتب السياسي الموجود في ضيافتهم بعد الإفراج عن الرهائن، وأجابه الأمير القطري قائلاً له إننا لم نستقبلهم إلا بناء على طلبكم.
هذا بعض غيض مما جاء من فيض الكتاب والذي يجيب على أسئلة بعض الطيبين وحسني النية الذين يتساءلون ما هو سرّ الصمت العربي الرسمي، يجيبهم على ذلك الكتاب بأن النظام العربي ليس صامتاً، كما يعتقد البعض وإنما فاعل ولكن في اتجاه مضاد للمصالح العليا للأمة.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين – فلسطين المحتلة