أولى

الفشل في الميدان والثمن الباهظ يفجّران الخلاف بين المؤسّسة الأمنية ونتنياهو

‭‬ حسن حردان

 

بعد شهر من بدء الحرب «الإسرائيلية» على لبنان، تبيّن بشكل واضح انّ المقاومة في تصاعد مستمرّ، وأنها استعادت زمام المبادرة، ونجحت في إدارة معركة تمزج بين الدفاع وحرب العصابات، حالت دون تمكن جيش الاحتلال من السيطرة على القرى الأمامية، وظهر انّ ما حققه من تقدّم كان في المناطق المفتوحة وأطراف بعض القرى، التي لا يمكن له البقاء وتكريس سيطرته فيها، لأنّ قواته تتعرّض لهجمات المقاومة بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية القصيرة المدى، وهجمات المقاومين المباشرة، مما يوقع في صفوف جنود العدو خسائر كبيرة في الأرواح… حتى أصبح جيش الاحتلال عالقاً في حرب استنزاف مكلفة جداً تكبّده عشرات القتلى والجرحى يومياً…
في ظلّ هذه التطورات الميدانية التي تؤشر إلى شدة وضراوة وبسالة وصلابة المقاومة، وإخفاق العدو المستمر في تحقيق أيّ إنجاز، جاء تصريح وزير حرب العدو يوآف غالانت انّ «الوضع الذي نديره، بدون بوصلة صالحة، ومن دون تحديث أهداف الحرب، يضرّ بسَيْر المعركة وقرارات الكابينيت»، وانه «لا يمكن تحقيق جميع أهداف الحرب من خلال العمليات العسكرية وحدها، وسيتعيّن علينا تقديم تنازلات مؤلمة لاستعادة أسرانا».
هذا الكلام لـ غالانت ليس كلاماً عابراً، إنما يعكس مناخ جيش الاحتلال الحقيقي الذي يدفع ضباطه وجنوده أثماناً باهظة في ميدان القتال في جنوب لبنان وقطاع غزة، ولم يعد قادراً على تحمّلها وأصبحت تترك انعكاسات سلبية على معنويات الجنود الذين يشعرون أنّ الاستمرار في الحرب لم يعد له جدوى، وانه لا يقود سوى الى الغرق أكثر فأكثر في حرب استنزاف طويلة تصبّ في مصلحة حزب الله… وقد جاء الحديث «إسرائيلياً» عن انّ المؤسّسة الأمنية بكلّ أجهزتها باتت مجمعة على ضرورة وقف الحرب واعتماد استراتيجية خروج منها، ليؤكد هذا الاتجاه على مستوى الجيش وقياداته، الذين يرون، بناء على نتائج الميدان، أنهم يواجهون مقاومة غير مسبوقة من حيث القدرة والشدة، وهم فوجئوا بصمود المقاومين في قرى الحافة الأمامية، وقدرتهم القتالية الدفاعية، وهو أمر صدم قوات الاحتلال ولم تكن تتوقعه..
لكن هذا الضغط من الجيش، والمؤسّسة الأمنية على المستوى السياسي، لوقف الحرب، والذي خرج إلى العلن، ولم يعد يدور في الغرف المغلقة والنقاشات والحوارات الداخلية.. لم يرق لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي عبّر عن انزعاجه مؤكداً على مواصلة الحرب حتى تحقيق الأهداف، في تكرار لتصريحات مماثلة رداً على المطالبين بصفقة تنهي الحرب في غزة وتعيد الأسرى الصهاينة لدى المقاومة..
هذا الخلاف بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية، وعلى رأسها الجيش، لا يبدو أنه سيخبو بل مرشح، حسب كلّ المؤشرات، إلى التصاعد أكثر، مع تواتر الأنباء عن ارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوف الجنود، واستمرار الفشل في تحقيق تقدم جوهري في الميدان، حيث تجاوز عدد الجرحى، باعتراف جيش الاحتلال الـ 900 ضابط وجندي، خلال الشهر الأول من العدوان البري في جنوب لبنان.. الأمر الذي يعكس حجم الثمن الباهظ والكبير الذي يدفعه جيش العدو مع كلّ يوم يستمرّ في عدوانه.. والذي يُمعن فيه، بسبب إصرار نتنياهو على مواصلة الحرب ورفض الإنصات لنداءات قيادات جيشه بضرورة البحث عن مخرج سياسي، لأنّ العمليات العسكرية ليس لها أفق، وهي تكبّد الجنود خسائر كبيرة، في ظلّ تزايد القلق داخل القيادة العسكرية من مخاطر الغرق أكثر في حرب استنزاف طويلة تصبّ في مصلحة حزب الله.. ولم يقتصر التحذير من خطورة حرب الاستنزاف على الجيش «الإسرائيلي»، الذي بات يلحّ على الحكومة «الإسرائيلية» للذهاب إلى تسوية سياسية، لأنّ ما حققه، هو أقصى ما يمكن تحقيقه، وانّ كلفة الاستمرار في القتال أصبحت أكثر من جدواها.. بل انّ العديد من المحللين والخبراء «الإسرائيليين»، أصبحوا يؤيدون موقف الجيش، ويوجّهون الانتقادات لمن يُصرّ في الحكومة على الاستمرار في الحرب، حتى يرفع حزب الله الراية البيضاء، قائلين: «انّ هذا لن يحصل…»
فيما رأى آخرون «في لبنان دائماً أنت تعرف كيف تدخل لكن لا تعرف كيف تخرج…»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى